Sam Eldin فضيلة شيخنا
مَرْوَان أحمد مَرْوَان

Alshak Marwan
نبذة عن التصوف

بسم الله الرحمن الرحيم بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمــــة

 نبذة عن التصوف

لفضيلة العارف بالله تعالى الشيخ

مَرْوَان أحمد مَرْوَان

( أسيوط في رمضان 1413هـ / مارس 1993م )

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله تعالى وسلم على سيدنا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وعلى آلهم وصحبهم أجمعين (وبعد) اعلم نوَّر الله تعالى قلبي وقلبك وأكملَ فيه حُبي وحُبك أن التصوف نتيجةُ العقل وثمرةُ العلم، وروحُ الإسلام لأنه الاشتغالُ بعبادةِ الله تعالى، وهي الحكمةُ الإلهيةُ من خلق الإنس والجان، ولتمام النعَّمةَ كانت بعثةُ سائرِ الرسلِ عليهمُ الصلاةُ والسلام. قال الله تعالى  (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)(3)... وقال عز وجل: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلكَ مِنْ رَسُولٍ إِلّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إلَهَ إِلَا أَنَا فَاعْبُدُونِ )(4) والعلمُ بدُونِ التصوفِ وسيلةٌ بلا غاية كما أن الخوضَ فيه قبل العلمِ شرُّ جناية. قال  "العِلمُ إمامُ والعملُ تَابِعُه" وقال الإمامُ مالك رضى الله عنه – من تَفَقَّهَ ولم يتصوَّفْ فقد تَفَسَّقَ، ومن تصوَّفَ ولم يتفَقَّهْ فقد تَزَنْدَقْ، ومَنْ جمعَ بينهما فقد تحقَّقْ.

والتصوفُ – علماً وعملاً – هو الحكمةُ التي يقول الله تعالى عنها ( يُؤْتِي الْحِكْمةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً) (5).

وهو الفقه في الدين الذي يقول فيه رسولُ اللهِكما في الصحيح " مَنْ يُرِدِ اللهُ به خيراً يُفَقَّههُ في الدَّين".

والأقوالُ المأثورةُ في تعريف التصوفِ كثيرةٌ جداً تبلغ زهاءَ الألفينِ ومُفادُهَا جميعاً التَّبَتُّلُ إلى الله تعالى.والاستعانةُ به دون سواه، استجابَةَ لقوله تعالى (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وتَبَتَّلْ إِليْه تَبْتِيلاً). ويكفي التصوفَ دليلاً على شرفه هذا الحشدُ الهائلُ من الأئمةِ العارفينَ الذين لم يجتمع عُشْرُ مِعْشارهم في تعريف علم من العلوم.

التصوف علم وعمل

بمراجعةِ كلامِ الصوفيةِ في هذا المقامِ نجد أنَّ للتصوفِ عندهم إطلاقين:-

الإطلاقُ الأول:- باعتبار كونه علماً من العلوم، يعرف به صفات النفس من كونها أمارةً أو لوامةً أو ملهمةً أو مطمئنةً أو راضيةً أو مرضيةً أو صديقيةً حسبما وردت على لسان الشرع، ويعرف به كذلك ما يناسب كلُّ طورٍ من أطوارها حتى تتهذبَ وتبلغ الغايةَ التي تسمعُ فيها نداءَ ربها (ياَ أيَّتُهَا النفسُ الُمطْمَئِنَّةُ ارْجـِعِي إلَى ربِّـــكِ رَاضــِيَةً مَرْضــِيَّةً فَادْخـُلِي فِي  عِبَادِي وادْخُلِي جَنَّتِي) (6).

الإطلاق الثاني:- باعتبار كونه عملاً وهو كما في شرح الخريدةِ للعارفِ الدردير: الأخذُ بالأحوطِ من المأموراتِ واجتنابُ المنهيات، والاقتصارُ على الضروري من المباحاتِ. وهو كمالُ التقوى التي قال الله تعالى عنها (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أتْقَاكُم)(7) فهو جهادٌ بكل معنى الكلمة: جهادٌ أكبرُ للنفسِ حتى تنالَ الفلاحَ الموعودَ في قوله تعالى: (قَدْ أفْلَحَ  مَنْ زَكَّاهَا)(8) وجهادٌ أصغرُ لكل أعداءِ الحياةِ الشريفةِ حتى تَظفرَ بالهداية الربانيةِ (وَالذَِّينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِينَّهُمْ سُبُلَناَ)(9).

والتصوفُ بهذا المفهومِ العملي هو منهجُ الإسلام من مبدئهِ إلى أن يرثَ الله الأرض ومَنْ عليها، يدلك على هذا ما ثبت مستفيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابهِ الكرامِ، رضوانُ اللهِ تعالى علينا وعليهم أجمعين. قال الله تعالى :" واصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الذينَ يَدْعُونَ ربَّهُم بِالْغَدَاةِ والْعَشِىِّ يُريدُونَ وَجْهَهُ ولا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُريدُ زِينَة الحياةِ الدُّنْياَ ولا تُطِعْ مَنْ أغْفَلْنَا قَلبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أمْرُهُ فُرُطاً " (10).

وقال تعالى:(مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ والَّذِينَ مَعَهُ أشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّار رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللِه وَرِضْواناً سِيمَاهُمْ في وُجُوهِهِم مِنْ أثَرِ السُّجُودِ) (11).

وغير ذلك من الآيات كثير.. وفي السنة يقول :-" مَالِي وللدُّنيا ما مَثَلِي ومثلُ الدُّنيا إلا كراكبٍ، سار في يومٍ صائفٍ فاستظلَّ تحت شجرةٍ ساعةً ثم راح وتَرَكَها".

وأخرج الشيخان عن عائشة رضى الله عنها أن النبيكان يقوم الليل حتى تتفطرَ قَدمَاهْ، فقالتْ: لم تصنعُ هذا يا رسولَ الله وقد غفر الله لك ما تقدمَ من ذنبكَ وما تأخر؟! فقال:"أَفَلا أُحُّب أن أكونَ عبداً شكورا" وأخرجا أيضاً .. عن أبي هريرة رضى الله عنه قال "ما شبع آلُ محمدمن طعامٍ ثلاثةَ أيامٍ تباعاً حتى قُبض".

وقوله رضى الله عنه: (حتى قبض)، فيه رد على من يزعُم أن هذا وقَع منهللضرورةِ وقلةِ الأقواتِ، إذ لا يَخفى أنه عليه الصلاةُ والسلام قد فُتحت عليه الفتوحُ، وكَثُرتْ لديهِ الغنائُم حتى كان يعطى المئاتِ من الإبلِ والآلافِ من الأغنامِ والموزوناتِ من الذهبِ والفضةِ للمؤلفةِ قلوبُهم وللمجاهدين ويبيتُ طاوياً وأهلُه لا يجدون عَشاءً. وفي حالة خروج روحهكان في بيته ستةُ دنانير أبطأوا في توزيعها، طلب إحضارهاوقال:"ما ظنُّ محمدٍ بربه يلقاهُ وفي بيتهِ هذه الدنانير". ومات صلى الله عليه وسلم ودِرُعُهُ مرهونةٌ عند يهوديِّ في ثلاثين صاعاً من شعيرٍ قوتاً لأهل بيته. هذا هو التصوف علماً وعملاً، ومن ذاق عرفَ ومن حُرم انحرف.

المنهج الصوفي من الكتاب والسنة

يقول الجنيدُ إمامُ جميعِ طوائفِ الصوفية" عِلْمُنا هذا مقيدٌ بالكتابِ والسنةِ.. وقال أيضاً من لم يحْفَظِ القرآن، ويكتب الحديث ولم يتفقهْ لا يُقْتَدَي به في هذا الأمر".

 

  مصطلحات علم التصوف

أما إذا نظرنا إلى المصطلحاتِ الصوفيةِ من حيث الكلام عن الخواطرِ والأذواقِ، والبحث عن أحوال النفوس، وبيان شهواتها، ودسائسها الخفية ونحو ذلك... فشأنهُ شأنُ بقيةِ العلومِ الأخرى كالفقهِ وأصولهِ والتوحيدِ، والنحو والبلاغة والهندسة والطب وغيرها.. التي لم تقع العناية بالنظر فيها والبحث في مسائلها وفروعها وتقرير المصطلحات الخاصة بها إلا بعد عصرهفي نهاية القرن الأول الهجري وبداية القرن الثاني وما بعد ذلك، وإن كانت مُسَمَّياتُها والعملُ بها موجوداً قبل ذلك لأنه لم يكن ثمةَ ما يدعو لوضع هذه المصطلحات.

والمعروف أن أولَ من تكلم في علم التصوفِ بهذا الاعتبار هو الحسنُ البصريُّ رضى الله عنه... قال أبو سعيد بن الأعرابى: لم يَبْلغْنَا أن أحداً تكلم في هذه المذاهب – يعني أحوالَ النفوسِ – ودعا إليها وزاد في بيانها وترتيبها وصفاتِ أهلها، مِثلَ الحسن البصري – وهو تابعيُّ – ولقد أخذه عن سيدنا علي رضى الله عنه وكرم الله وجهه وهو من هذه الجهة موصولٌ برسول .

 بداية ظهور اسم الصوفية

في عهد النبيوالصحابة والتابعيـن. كان الكلُّ على طريقِ الهدايةِ والحقِ كما وصفهم الله تعالى بقوله :"رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجارةٌ ولا بَيْعٌ عَن ذِكْر اللهِ وإِقَامِ الصَّلاةِ وإيتاءِ الزّكَاةِ يَخَافُونَ يوماً تَتَقَّلَبُ فِيهٍ القُلُوبُ   والْأَبْصَْارُ "(12).

فلما جنح الناسُ إلى مخالطةِ الدنيا، وأَخذُوا يتزحزحون عن الهدى النبوي شيئاً فشيئاً، اخْتُصَّ المحافظون على سنة رسول اللهونهجَ السلفُ الصالحُ رضوانُ الله تعالى عليهم باسمِ "الصوفية" كما أُطْلِقَ على المشتغلين ببيان الأحكام الشرعية اسمُ " الفقهاء " إلى غير ذلك.

 منهج الصوفي

لابد للسائر إلى الله تعالى من رجاءٍ مُشَوِّق وخَوفٍ مُقلِق. لذلك قال الإمامُ علي رضى الله  تعالى عنه "من اشتاقَ إلى الجنةِ سَلَا عن الشهواتِ ومن أَشفقَ من النارِ يَرْجعُ عن المحرمات".

وقيل للجنيد رضى الله عنه في هذا الشأنِ: فبم يصلُ العبدُ إلى هذا ؟ فقال "بقلبٍ مُفْرَد، فيه توحيدٌ مُجَرَّد" فجعل القلبَ المفردَ وهو المشغولُ بالله تعالى دون سواه المحشوُّ بخالصِ التوحيدِ وصافي المعرفةِ هو الذي يبعثُ الإنسانَ على التوبةِ والخوفِ والرجاءِ، وقِصَرِ الأمل، وهو الذي يُهَوِّن عليه مَشَقةَ المجاهدات والمكابدات، ويجعلهُ لا يرى صعباً دون مطلوبهِ،بل يَستعذِبُ العذابَ في نيل مرغوبه.

من هو الصوفي إذن؟

بناءً على ما تقدم نقولُ: هو المجتهدُ في التأسي برسول اللهِفي أخلاقه وأعماله جهد الطاقة. أما ما عليه أهلُ البطالةِ والجهالةِ من الصَّخَبِ والصياحِ مع التهاونِ في الأوامرِ الشرعيةِ والآدابِ الإسلاميةِ فليس من التصوفِ ولا من الدينِ في شيء... ولقد لخص العارفون ما يميز التصوفَ الحقَّ عن أدعياءِ التصوفِ في الأبيات الشهيرة المخمسةِ، التخميسُ لصاحبِ النبذةِ .

 

 

يا سائلي عن طريق القوم أتْبَعُه

 

وهـــــل لــه سندٌ فى الديــن أرْفَعُـهُ

هاكَ البيانَ أَخِي إن رُمت تجمعَهُ

 

ليسَ التصوُّفُ لبسَ الصوفِ ترقَعُه

ولا بــكاؤك إن عنــى المغنونــا

 

وليــس فلسفــةً كــــلا ولا خُطـــبٌ

ولا تواكُلَ في سعيٍ ولا هــربٌ

 

ولا دعــــاوَى ولا أكــلُ ُولا كَـذِبُ

ولاصياحُ ولا رقصُ ُولا طـربٌ

 

ولا اختباطُ كأن قد صِرتَ مجنــوناً

بل إنه سنةُ المختــارِ من مُضـَرٍ

 

مـن ذاقَـــــهُ يلتقــي سيِّــــدَ البَشــر

حقُ فما فيه من زَيْفٍ ولا خَطَرٍ

 

بَلِ التصــــوفُ أن تصفُـــو بلا كـدرِ

وتتبـع الحــقَّ والقرآنَ والدينـــا

 

وأن تُراقِــبَ رَّباً حاضِــــراً وهبِـــاً

وأن تقومَ بما في شرعه وَجَبـــا

 

تَكفُّ عن حُـــرَمٍ وتَلْـــزمُ الأدَبـــــا

وأن تُرَى خاشعاً لله مكْتئبــِـا

 

على ذنوبِكَ طــولَ الدهــر محزونا

 

الشريعة والطريقة والحقيقة

الشريعةُ هي الأحكامُ الواردةُ عن المشرعِ الحكيمِ المعبَّرِ عنها بقوله  "جئتكم بشريعةٍ بيضاءَ نقيةٍ لم يأت بها نبي قبلي، ولو كان أخي موسى في زمني وسائرُ الأنبياءِ لم يسعهمْ إلا اتباعُ شريعتي".

والطريقة هي العملُ بأحكامِ الشريعةِ والتأدب بآدابها والحقيقةُ هي علومٌ لَدُنيَّة، ومعارفُ ربَّانيةٌ تْحصُلُ لقلوبِ السالكين بعد صفائها نتيجةً للعمل بالشريعةِ (أي نتيجةُ سلوكِ الطريقة).

لذلك قيل: الشريعةُ باب، والطريقةُ آداب، والحقيقةُ لُباب – أي ثمراتٌ ونتائجُ لقوله تعالى (وَاتَّقُوا اللهَ ويُعلِّمُكُمُ اللهُ)(13) وقوله عز وجل ( إن تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَل لَّكُم فُرْقَاناً ) (14) وكما جاء في الحِكَمْ: مَنْ عَمِلَ بما عَلِمَ ورَّثَهُ اللهُ علمَ ما لم يعلمْ.وتُنسبُ هذه العبارةُ للإمامِ مالكٍ رضى الله عنه. 

 

معنى السلوك والسير إلى الله تعالى

معنى السير إلى الله تعالى: هو تخليصُ القلبِ من الشواغل الصارفة عن التعلقِ بالله تعالى والعودةُ بالروحِ إلى ما كانت عليه عندما أخذ الله تعالى عليها العهدَ الذي أخْبَرنَا عنه بقوله الكري:" وإذْ أخَذَ رَبُّكَ مِن بَنيِ آدمَ مِنْ ظُهوُرِهِمْ ذرِّيتَّهُمُ وأشَهَدَهُمِّ عَلَى أنفُسهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالَوا بَلَى شَهِدْنَا " (15)...

 قال صاحب المباحث:

: وهو ابن البنا

 

ولم تَزَلْ كلُّ نفوسِ الأحْيـا

 

عَلَّامـةً درَّاكــــةً لِلأشيـــا

وإنما تَعُوُقُهـــــا الأبـــدانُ

 

والأنفُسُ النُّزَّغُ والشيطـانُ

فكلُّ من أذاقهــم جهـــادَهْ  

 

أظهرَ للقاعِد خرْقَ العـادة

 

كيفية السلوك والسير إلى الله تعالى

السيرُ إلى الله تعالى هو تطبيقُ ما وردَ في الحديثِ الشريفِ المروىِّ عن أبي هريرة رضى الله عنه في البخاري وغيره والحصول على نتائجه وثمراته وهو: عن أبي هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله : إِنَّ اللهَ تعالى قالَ: من عادَى لي وَلِيِّاً فقد آذنْتُهُ بالحرب، وما تقرب إلىَّ عبدى بشيء أحبَّ إلِّى مما افترضتُه عليه، وما يزالُ عبدى يتقربُ إلىَّ بالنوافل حتى أُحبَّه فإذا أحببتُه كنتُ سمعَه الذي يسمع به، وبصَرهُ الذي يُبصرُ به، ويَدَه التى يَبطِشُ بها، ورِجِلَه التي يمشي بها، ولئن سألنى لأَعْطِينَّه، ولئن استعاذنى لأعيذنه.

وملخصُ معناه أن يوالى العبدُ أولياءَ الله تعالى ويعادى أعداءَه ويكُفَّ عما حرم الله ويؤدِّيَ ما افترضه الله عليه ثم يزيدُ في الطاعاتِ ابتغاءَ وجه الله تعالى حتى يكونَ عند اللهِ محبوباً ويصيَرُ ربَّانياً أي يَتَولاه الله تعالى بالهداية والرعاية والحماية والكفاية ولا يكِلُه إلى نفسه طرفةَ عينٍ ولا أقلَّ من ذلك.

 

أركان الطريق

أركانُ الطريق هي كما بينها العارف بالله تعالى سيدي أحمد الطاهر عليه سحائب الرحمة في كتابه "مطية السالك" اثنا عشر:

1- الصدق: في مقاماتِ الدينِ كلها في النياتِ والأقوالِ والأعمالِ... وبه أمر الله تعالى فقال: (يأيُّها الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)(16).

 2-التوبة: وأركانها أربعةٌ الندمُ والإقلاعُ عن الذنبِ في الحال والعزمُ على عدمِ العودِ وردُّ الحقوقِ لأصحابها ... وبها الأمرُ الكريمُ من الله تعالى(وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (17).

3-اتخاذ الشيخ المرشد: اقتضت إرادةُ الله تعالى أن ارتباطَ الأرواحِ بعضُها ببعضٍ يوجبُ لها سريانَ المزايا الموجودة بها، وهذا أمر يؤيده الواقعُ ويشهدُ له العيانُ لذلك جعل أهلُ الطريقِ رضوانُ الله عليهم اتخاذَ الشيخِ من أعظمِ ما يحتاجُ إليه مريدُ السير إلى الله تعالى لتسرى إلى روحه تلك الصفات التي صارت لشيخه من الإقبال على دارِ الخلودِ والتجافى عن دار الغرور، إذِ الجليسُ الصالحُ كحاملِ المِسْك... إما أن يُحذيَكَ وإما أن تبتاعَ منه أو تجد ريحاً طيبة... ولهذا كانت منزلةُ الصحابة رضى الله تعالى عنهم فوق كلِّ منزلةٍ لمن أتى بعدهم لتَشَرُّفِهم بالاجتماعِ برسولِ اللهِ صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم.

ولكنَّ حصولَ مزايا روحِ الشيخِ للمريدِ لا يحصلُ  إلا بشدةِ تعلقهِ به ودوامِ استحضاره له في كل شئونه واعتقادِ أن رُوحّ شيخه هي الحبلُ الذي يصلُ بسببِ تعلقه به إلى تبديل الصفاتِ المذمومةِ إلى الصفاتِ التيِ تؤهله للدخولِ إلى حضرة ربه عز وجل. وقد أرشد الله عز وجل إلى ذلك فقال: (الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا)(18). وقال:(فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (19)... وقـال:( أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ)(20)... وفي قصة سيدنا موسى والخضر عليهما السلام ما يغني عن كل دليل .

وتلقينُ الشيخِ للمريدِ ومبايعتهِ على فعلِ الطاعاتِ إقتداء بالكتابِ والسنةِ... قال الله تعالى:(إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ) (21) ولمِا رواه الطبرانى والبزار وغيرهما أن رسول اللهلَقَّنَ أصحابه كلمةَ التوحيدِ جماعةً وفُرادَى.

ففي رواية شدادٍ بن أوسٍ رضى الله عنه قال: كنا عند رسولِ اللهِفقال: (هل فيكم غريب؟) – يعني من أهل الكتاب – قلنا لا يا رسول الله فأمرَ بغلقِ الباب وقال:  ارفعوا أيديكم وقولوا "لا إله إلا الله"... فرفعنا أيدينَا ساعةً وقلنا "لا إله إلا الله"هذا سند التلقين جماعة.

 أما التلقين فرادى فسنده قول الرسوللعلى بن أبي طالب كرم الله وجهه (ياَ ِعلِيُّ عليكَ بمداومةِ ذكرِ اللهِ عز وجل سراً وجهراً) فقال له: كيف اذكرُ يا رسولَ الله ؟... قال "أَغمضْ عينيكَ واسمعْ مني". ..." لا إله إلا الله " ثلاث مرات ثم قل أنت " لا إله إلا الله  ثلاث مرات وأنا أسمع (22) ثمرأسه ومد صوته وهو مغمض عينيه وقال "لا إله إلا الله" ثلاث مرات ثم إنَّ علياً رفعَ رأسهُ ومَدَّ صوتهُ وهو مغمضٌ عينيه وقال "لا إله إلا الله " ثلاثَ مراتٍ والنبييسمع.

4-الذكر: وهو أعظمُ الأركانِ نفعاً حتى قيلَ(إن الطريقَ هي الذكر) لقوله تعالى:(إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ) (23). وينبغي أن يكون وفِقّ إِرشادِ الشيخِ وتوجيهاتهِ بما يتلاءمُ مع أحوالِ نفسِ المريدِ وعلاجها.

ولأنّ الذكرَ هو منشورُ الولايةِ وسببُ تنويرِ القلبِ وتَفريغهِ من الأغيارِ وتطهيرهِ من الأكدارِ، فلذا وظَّف القوم له أورادا.

والأورادُ هي أهمُّ الأصول في الطريق ولا ينالُ المريدُ نصيباً من نتائج سيره في الطريق إلا بملازمتها والاجتهادِ فيها فإنها موردُ الإمدادِ وسبيلُ القربِ من رب ِّالعباد.

ولما كان المقصودُ من الأوراد هو تطهيرَ القلبِ منَ التعلقِ بالأغيارِ وحَشْوَهُ بالفيوضاتِ والأنوارِ، كان لابد للمريدِ من ملاحظةِ معانيها مع الاشتغال بتراكيبها ومبانيها... وإلا فإنها لا تفيدُ في تطهير القلب من الأكدار... ومن الغريب أنَّ المريدَ يسخُو بنفسهِ في تحصيلِ لذائذهِ وتجميلِ منظره وينفق في ذلك أغلى أوقاته ويضيقُ بوردهِ – ولو بلسانهِ – أن يَصْرِفَ في الاشتغالِ به أقلَّ القليل من الأوقات ومع ذلك يظنُّ أنه من المريدين لله سبحانه وتعالى... وحاشا حضرة الله أن يحظى بها من كان عنها غافلاً وبغيرها مشتغلاً ولأوقاته في غيرها صارفاً... ومثل هذا لا يفيده في تطهيرِ قلبهِ من الشواغلِ وتنويرهِ بأنوارِ شهودِ الحقِ سبحانه وتعالى ولو أتت كل جارحة من جوارحه بعبادة أهل الأرض والسماء.

ومع هذا لا ينبغي تركُ الأورادِ مع تجرِدها عن حضورِ القلبِ وعدمِ استحضارِ معانيها، لأن الاشتغالَ بطاعةِ الله تعالى بالجوارحِ مع غفلةِ القلبِ خيرٌ من الإعراضِ عنه تعالى بالكلية... ومن الاشتغالِ بغيرهِ تعالى بالقلبِ والجوارح... ولأنه ببركةِ المواظبةِ على الذكرِ اللساني تدركهُ عنايةُ الله تعالى ويحسُنُ حالُهُ وينقلْه من ذكرٍ مع غفلةٍ إلى ذكرٍ مع حضورٍ ثم إلى ذِكْرٍ مع الغيبةِ في المذكورِ، وما ذلك على الله بعزيز وما الأورادُ إلا مجموعة من الآياتِ القرآنيةِ والأحاديثِ النبويةِ والدعواتِ المشتملةِ على أسمائهِ  تعالى مع الصلواتِ على رسول اللهوالاستغفار وكل ذلك جاء الأمر به والحثُّ عليهِ من الشارعِ الحكيمِ الذي خَلَقَ النفوسَ وهو أعلمُ بدائها ودوائها.

ولذلك ينبغي مراعاةَ الآدابِ التي بينها الأشياخ في آدابِ الذكرِ لأن الذاكرَ جَليسُ الله ومذكور منه ومن الملأ الأعلى.... ولا يستمع المريد لمن يَهْرِفُ بقوله: إن قراءةَ القرآنِ أفضلُ من الاشتغالِ بالأورادِ  فإنه لا يعرفُ معنى ما يقول، لأن الأوراد ما هي إلا ما سبق ذكره من قرآنٍ أو تهجدٍ به أو امتثالٍ لأمرهِ بالصلاةِ والسلام على نبيهِ صلى الله عليه وسلم أو بالاستغفارِ وفعلِ خيرٍ من أي لون كان امتثالا لقوله تعالى:(وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (24)... فافهم أرشدنا الله وإياك إلى الصواب.

...آدابُ الذكر...

قبلَ الشروعِ في الذكر يُستحبَّ تطهيرُ الجسدِ والثوبِ وتطييبُ المكانِ وإعدادهُ لاستقبالِ الملائكةِ الذين سيشهدونَ الذكرَ(25) ... وأن يبدأ الذاكرُ بالتوبةِ إلى الله تعالى والاستغفارِ من الذنوب والآثامِ... ويجلس مستقبلاً القبلة - ما أمكن - ويستحضر صورة شيخهِ فإن لم يتيسر فليستحضره في قلبه ليكونَ رفيقهُ في السيرِ إلى الله تعالى... وأن يذكر الله حباً في الله وأداءً لحق العبوديةِ التي خُلِقَ لها لا لطلبِ دنيا أو أخرى.

ويُغمضُ عينيه لأنه أسرعُ في تنوير القلب.... ويميل برأسه في ذكرِ "لا إله إلا الله" إلى الجهة اليمنى بـــــ "لا" ويرجعُ بــــ "إله" إلى جهة صدره مع الانحناء إلى الأمامِ قليلاً وبـــ "إلا الله" إلى جهة القلب في الجانب الأيسر وينتعها من سرته إلى قلبهِ حتى تَنزلَ الجلالةُ على القلب فتحرقَ سائرَ الخواطرِ الرديئة... ويحقق الهمزة ويمد الألَفَ مداً طبيعياً أو أكثر ويفتح الهاء من إله ويسكن الهاء

من الله.

أما بقية الأسماء السبعة- التي سيأتي ذكرها – فينتعها من سرته وينزل بها إلى قلبه إلى قُدَّامِ وإلى خلفِ بانحناءٍ وقيام... ويصغى حال الذكر إلى قلبه مستحضراً للمعنى حتى كأن قلبهُ هو الذاكرُ وهو يسمعه ولا يختمُ حتى يحصلَ له نوعُ من الاستغراقِ وشوقِ وهيمان... ثم إذا ختمَ سكتَ وسكنَ واستحضرَ الذكرَ بإجرائهِ على قلبهِ مع التمهلِ ولعله يَرِدُ عليه واردٌ في لمحة فيعمرهُ بما لم تعمرهُ المجاهدة ثلاثين سنة.... إما واردَ زهدٍ أو تحملَ أذى أو محبةَ للهِ وفى الله أوغير ذلك.

ومن آدابِ الذكرِ المؤكدةِ عدمُ شربِ الماءِ أثناءهُ أو عِقبهُ لأن للذكرحرارةً تجلبُ الأنوارَ والتجلياتِ والوارداتِ... وشُرْبُ الماءِ يطفئُ هذه الحرارةَ واُقله أن يصبرَ نصفَ ساعة... وكلما كثر كان أفضل.

 

ما يناسبُ كلَّ مرحلةٍ من مراحلِ  النفسِ من الأسماءِ الحسنى....

طريقُ الصوفيةِ سُدَاها الآدابُ ولُحْمتها الذكرُ فلا يتم نَسجُها إلا بهما، فالآدابُ تهذب النفوسَ والذكر يرققُ الحُجُبَ وينَوِّرُ القلبَ. ولإزالة الحجب الظلمانيةِ والنورانيةِ عن المريِد وَضَعَ أهلُ الطريقةِ الخلوتية أسماء سبعة للذكر وِفقَ حالِ النَّفْسِ، والنَّفسُ عندهم لها سبع مراحل هي:-

الأولى النَّفْسُ الأمارة: وهي التي تأمر بالسوء دائماً والتي قال الله تعالى فيها: (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) (26) ... وقد وضعوا لها ذكر..."لا إله إلا الله" لأن النفسَ في هذه المرحلةِ متعلقةٌ بمطالبها الماديةِ منهمكةٌ في تحصيلِ شهواتها معرضةٌ بالكلية عن ربها... ولما كان الذكرُ..."بلا إله إلا الله" مشتملاً على نفي كل معبود سوى الله وإثبات حق العبودية الكاملة له سبحانه تعالى فإن المداومة عليه تقتلعُ من النفسِ حُبَّ غيرهِ تعالى وتَوجُّهِها إلى من خَلَقَها وسَوَّاها.

 

الثانية النفسُ اللَّوامة: التي قال الله تعالى فيها:(وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ)(27).... وهي التي تأمرُ بالمعاصي ولكن تلومُ صاحَبها وتحملُه على التوبةِ وقد وضَعوا لها ذكر لفظ الجلالة "الله" لأن تجليهِ يُفنيها حيث لا يكونُ هناك انشغالٌ ولا رؤيةٌ إلا به عز وجل الثالثة النفسُ الملهمةُ: التي قال الله تعالى عنها: " فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا " (28). وهي التي أُلهمتْ معرفةَ عيوبها فلا ترى لها تقوى ولا عملاً وَصَاحِبُها فَانٍ في مقام السكر والفناء، وقد وضعوا لها ذكر الاسم"هُو" فإنه موضوع لحقيقة الحق فذكره يناسب حالة الفانى في ذكر الله عز وجل فلا يَرىَ فاعلاً غيرهُ تعالى.

الرابعة والخامسة والسادسة: النفوس المطمئنة والراضية والمرضية اللاتي ورد ذكرُهُنَّ على الترتيب في قوله تعالى (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً).

النفس المطمئنةُ: سميت بذلك لرجوعها لمقامِ البقاء بربها وسكونها للمقاديرِ لشهودِها انفرادَ الحقِ تعالى بالربوبيةِ وشهودِها لصفاته في آثارِ صنعتهِ فترى كل شيء جميلاً... لذلك كان وصول النفس إلى هذه الدرجة هو أولَ قدمٍ لها في الطريق، وصاحب هذه النفس يُعَدُّ من أهل الطريق وقبل ذلك كان يُعَدُّ مريداً فقط ووضعوا لها ذكر الاسم "حق" لأن تجليه يحصل به دوام الطمأنينة.

فإذا استمرتِ النفسُ في الطمأنينةِ واستمر المريدُ واقفاً بالباب ِكانت نفسه راضيةً ومَنْ رضىَ فلهُ الرضى من الله تعالى. ووضعوا لها ذكر الاسم "حي" لتجلى الله تعالى عليه بالحياة السرمدية.

فإذا خلعت عليه خلعة "الحي" صارت نفسهُ مرضيةً أي مرضياً عنها من الله تعالى لرضاها عنه: ويناسبها ذكر اسمه تعالى "قيوم" لأن به قِوامَ العالمِ فتخلعُ عليه خِلعُ القيوميةِ وهي التصرفُ في العاَلَمِ بإذنِ اللهِ تعالى فيصلُحْ للخلافة.

السابعة النفس الكاملة: إذا استمر السالكُ على الباب مع دوامِ التبتلِ والانكسارِ تجلَّي عليه الحقُّ بشهودِ الذاتِ شهوداً قلبياً تفضلاً منه وإحساناً وعندئذ تصبح النفس "كاملة" وهي المشار إليها في  قوله تعالى (وَادْخُلِي جَنَّتِي)(30) ... أي جنةِ شهودي في الدنيا لأنه نعيم معجل في الدنيا قبل الآخرة.. ويناسبها ذكرُ اسمهِ تعالى"قهار" ليخلعَ عليه خلعةً يقهرُ بها المعاندين للحق لأنه صار داعية من دعاة الحقِّ جلَّ وعَلا.

5-السهر: في طاعة الله عز وجل، بقدر ما يتيسر قالفيما رواه الترمذي والحاكم "عليكم بقيام الليل، فإنه دأبُ الصالحينَ قبلكم، وقُربةٌ لكم إلى ربكم ومكفرةٌ للسيئات ومنهاةٌ عن الإثمِ ومطردةٌ للداءِ عن الجسد" وأفضله ما كان في ثلثِ الليلِ الأخير وأقلُّهُ ركعتان.

6- الجوع: أي تقليلُ الطعامِ والشراب ففيه صحةٌ للبدنِ وصحةٌ في الدين لقوله "ما ملأَ ابنُ آدمَ وِعاءً شراً من بَطْنِه فإن كان لا محالةَ فاعلاً فثلثٌ لطعامهِ وثلثٌ لشرابهِ وثلثٌ لِنَفَسِه"... ولقوله " أَحيوا قلوبكم بقلةِ الضحكِ، وقِلةِ الشبع، وطَهِّرُوها بالجوعِ تصفو وَتَرِق".

7-الصمت: صمتُ اللسان إلا عن الخيرِ، جاء في الِحكَمِ "الصمتُ حُكْمٌ وقليلٌ فَاعِلُه"... وصمت عن التفكيرِ إلا فيما يعودُ بالنفعِ على الناسِ لقوله "من حُسنِ إسلامِ المرءِ تركُهُ ما لا يَعنيهِ" ولقوله  "مَنْ صَمَتَ نَجا".

8- العزلة: عدمُ المخالطةِ لمن يشغلهُ عن ربهِ كما قيل:

 

     لقاءُ الناسِ ليسَ يفيدُ شيئاً

 

سِوَى الهذيانِ مِنْ قيلٍ وقَالِ

فَأقَلِلْ مِنْ لقاءِ الناسِ إلا

 

لأخذِ العلم أو إصلاحِ حالِ

 

 

وقالعندما سئل ما النجاة؟ ... قال:"لِيَسَعْكَ بَيْتُك وأَمْسِكْ عليك لِسَانَك وَابْكِ عَلَىَ خَطِيَئَتِكَ".

9-الصبر: صبرٌ على الطاعةِ وصبرٌ عن المعصيةِ وصبرٌ على المصائبِ... قال الله تعالى(إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (31)... وقال  "الصبرُ نصفُ الإيمان".

10-الشكر: وهو صرفُ نِعَم الله تعالى فيما خَلَقَها لأجلهِ... قال تعالى (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)(32).

11-الفكر: التفكر في مخلوقات الله تعالى ونعمه وفضله لقوله تعالى (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)(33) ... ولقوله  "تَفَكُّرُ ساعةٍ خيرٌ من عبادةِ سَنَة" وِلِقولهِ  "تفكروا في خلقِ اللهِ ولا تفكروا في ذاتهِ فَتَهلِكوا".

12- الرضا: باللهِ وعن اللهِ لقوله  (إن اللهَ بحكمته وجلاله جعلَ الرَّوْحَ في الرضا واليقين، وجعل الغمَّ والحزنَ في الشكِّ والسَخَطِ). وقال  "ارضَ بما قَسمَ الله لك تكنْ أغنى الناسِ".. الحديث.

وبعضهم جعل التزاورَ في الله رُكناً من أركانِ الطريقِ لقوله " امشِ ثلاثة أميالٍ زر أخا لك في الله عز وجل ".. الحديث.

وبعضهم جعل مطالعةَ كُتُبِ القومِ مثل"مطيةِ السالك". للشيخ أحمد الطاهر والإحياء " للغزالي" والحكم " لابن عطاء الله السكندري". فضلاً عن كتب الشعراني والقشيري وغيرهم من أوراد الطريق.

 

آداب الطريق

آداب الطريق كثيرة منها:-

* آداب المريد مع شيخه:  أَهَمها تعظيمُهُ وتوقيُره ظاهراً وباطناً، وعدمُ الاعتراضِ عليهِ في شيء فعله... ويُؤَوِّلُ ما لا يفهمهُ من أفعالهِ، ولا يزورُ صالحاً إلا بإذنِه، ولا يحضرُ مجلسَ غيرهِ ولا يقعدُ وشيخُه واقِفٌ، ولا ينامُ بحضرته إلا لضرورةِ، ولاُ يكثِرُ الكلامَ بحضرتهِ ولو باسطه ولا يجلس على سجادته، ولا يسبحُ بسبحتهِ، ولا يجلس في المكان المعدِّ له، ولا يفعل فعلاً من الأمور المهمة كسفرٍ بعيدٍ أو زواجٍ إلا بإذنهِ، ولا يُمسِكُ يده للسلامِ ويدهُ مشغولة، ولا يمشيِ أمامه إلا إذا كان مشيه أمامَهُ صوناً له أو عملاً على راحته، وأَلاَّ يذكرَهُ عند أعدائهِ، وأن يرى كُلَّ نعمةٍ وَصَلتْ له من بَرَكتِه، وألا يصادقَ من كان الشيخ يَبْغّضهُ في الهِم، وأن يصبرَ على جَفوتِه وإعراضِه عنه وان يحملَ كلامَه على ظاهرِه فيمتثله إلا لقرينةٍ صارفةٍ عن إرادة ِالظاهرِ وأن يلازمَ الوردَ الذي رتُبه له، فإنِّ مدد الشيخِ في وردهِ ومن تخلفَ عن الوردِ حُرِمَ المدد.

 

* آداب المريد مع إخوانه ومع عامة الناس: أن يكون محباً لهم كحبه لنفسه عاملاً بقوله  "لا يؤمنُ أَحدكُم حتى يحبَّ لأخيهِ ما يحبُّ لنفسه" وأن ينصحَ لهم، عملاً بقوله  "الدينُ النصيحة" قالوا لمن يا رسول الله قال " للهِ ولكتابهِ ولرسولهِ ولأئمة المسلمين وعامتهِم ".

وأن يُشَجِّعهم ويحثَّهم على السيرِ في طريقِ اللهِ تعالى بالحسنى وبقدرِ علمه، عملاً بقوله تعالى (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ)(34). وألاَّ يرىَ نفسهُ خيراً من أحدٍ كما قال صاحب الرائية:

 

 

  ولا ترَينَّ في الأرضِ دونكَ مؤمناً

 

ولا كافراً حتـــى تُوسَّدَ في القـــبر(35)

  فإن ختامَ الأمْــــــرِ عنَك مُغَيَّــبٌ

 

ومَنْ ليسَ ذَا خُسْرِ يَخَافُ مِنْ المَــكْرِ

 

وأن يصنَع المعروفَ امتثالاً لقوله  "اصنعوا المعروف مع من هو أهلُه ومن ليس أهلَه فإن صادفتم أهلَه صادفتُم أهلَه وإنْ لم تصادفوا أهلَه كنتم أنتم أهلَه". وأن يكون عوناً لهم جهدَ استطاعتهِ فالله تعالى في عون العبدِ ما كان العبدُ في عونِ أخيه وأن يَكُفَّ أذاه عنِهم في الظاهرِ والباطنِ وأن يَجزىَ بالسيئةِ الحسنةَ ابتغاءّ وجه الله تعالى. والآدابُ كثيرة لا تكادُ تُحصّى وبامتثالِ المريد لما ذكر منها يُفْتَحُ عليهِ بباقيها.

( ثمرة الطريق )

إذا كانت الحكمةُ من خلقِ العبادِ هي أن يعرفوا ربهم سبحانه وتعالى، كانت نتائجُ السيرِ إلى هذه الغاية لا تَحْصُلُ إلا بالوصولِ إلى هذه المعرفةِ، ولما كانت ذاتُه سبحانه وتعالى لا بدايةَ لها ولا نهايةَ فإنه بالضرورة لا يكون لهذا السير نهايةٌ – ولا لكمال المعرفة وسيلةٌ بحالٍ من الأحوالِ... من أجلِ ذلك قَسَّمَ أهل فن السلوك نتائج السير إلى الله إلى مراحل:

فأول المراحل: هو حصولُ العلمِ اليقينيِ باللهِ تعالى المبني على الأدلة العقلية والنقلية.

وتأتى بعد ذلك: مرحلةُ عينِ اليقينِ وهي أن يشهدَ العبدُ ربه قبلَ كلِّ شيء ومع كلِّ شيء وبعد َكل شيء (قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ)(36) (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) (37). ثم بعد هاتين المرحلتين تأتى مرحلةُ

حق اليقين: بالفناءِ في الحقِ والبقاءِ به علماً وشهوداً وحالاً(38).

ولا نهايَة لكمالِ الولاية فهناك علُم اليقين وعلُم عينِ اليقين وعلم حق اليقين وكلُّ مقامِ منها ينكشفُ به ما بعدهَ بمددٍ من الله سبحانه وتعالى... وقدَ تكفلَ سبحانه وتعالى لأهل هذه الطريق بالحياة الطيبة في العاجلة وبالمنزلة الرفيعة في الآجلةِ بوعدهِ الكريمِ (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)(39).

ولبعضِ مظاهر هذه الحياة الطيبة أشار الفقير إلى مولاه مَرْوَان أحمد مَرْوَان خادم الفقراء - أخذاً من أقوالِ شيوخِ هذه الطريقةِ ومن الواقعِ المشاهدِ لدى سالكيها :

 

طريقٌ به جبريلُ جاء موثَّقــاً

 

بِـوَحي بلا رَيْـــبٍ شريعـــةُ ربَّنــا

سبيلُ إمامِ المرسَلين محمدٍ

 

على منهجِ القرآنِ نسلكُ دَرْبُنَـا

بِها اللهُ يعطى السالكينَ تَقَرُّباً

 

ويجلُو بفضـــلٍ مِنْه رَيْنَ قُلوبنــا

لحِضرْة إِطْــلاقٍ يَفيُء ربيبُهَــا

 

وَيَفْنَى عن الأغْيَارِ يَشهـدُ ربَّنـــا

يَكُفُّ عن الأوزارِ سَالكُ نَهجِها

 

فَــربِّـى وَليُّ المؤمِنـيـــنَ يُجِــيرُنـَا

تراه لدى الهيْجاِء يُقْبـــلُ فارسـاً

 

ودَيْدَنهُ التقوى عن الخَلقِ في غِنَى

ولوّ كانَ منهم في السفينةِ راكبُ 

 

فلا خوف يَعْرُو الراكبينَ وَلا عَنـــا

وَسَطْوةُ أهلِ البغي إنساً وجنـــةً

 

يَقيهِـمْ إلهُ العرشِ منها مُؤَمنَّــاً

يموتُ على الإيمانِ مَنْ صانَ عهْدَهُم 

 

ويحْظَى بفردوسٍ نَعيماً وَمَسْكَنَاً

فَيَا مَنْ ترومُ الحقَّ ترجو سلامــــــةً

 

تَعـالَ إلى حــيِّ الأحِبَّـــةِ حَيِّنــــاَ

ففيه ترى الإسعادَ قَلْباً وَقَالَبـــــا

 

وتُقضَى لك الأوطارُ تَوَّاً مع المُنَـى

تكَونُ جليسَ اللهِ جَمْعاً وَخَالِيـــا

 

بذِكْرٍ وأفْكَـــارٍ وَطَاعَـــــــةِ رَبِّنَـــا

 

هذا وبالله التوفيق وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

                                                  خادم الفقراء

                                                   مَرْوَان أحمد مَرْوَان