الشيخ عبد الجواد الدومى
Alshak Aldumy دروس قرآنية لفضيلة الشيخ الدومى الدرس الحادي عشر |
---|
الدرس
الحادي عشر بسم الله
الرحمن
الرحيم )وَمَا
أُمِرُوا
إِلَّا
لِيَعْبُدُوا
اللهَ
مُخْلِصِينَ
لَهُ
الدِّينَ
حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا
الصَّلَاةَ
وَيُؤْتُوا
الزَّكَاةَ
وَذَلِكَ
دِينُ
الْقَيِّمَةِ[ . لم يكن
الذين كفروا
من أهل الكتاب
والمشركين
قبل بعثة
النبي (صلى
الله عليه
وسلم)
منفكين عن
الإيمان
ببعثة الرسول (صلى
الله عليه
وسلم) وكانوا
عازمين علي أن
يتبعوه أن ظهر
وكانت صفاته
مطابقة لما
ورد في
التوراة
والإنجيل .
وقد كانوا
يستفتحون به
علي الذين
كفروا أي
يطلبون من
الله النصر
علي أعدائهم
بحق نبي آخر
الزمان . لم
يكونوا
منفكين عن
الإيمان
ببعثة حتى تأتيهم
البينة .
والبينة هي
رسول عظيم
جميل الخُلق
والخلق رسول
من الله يتلو
صحفاً
وقراطيس مع
كونه أُمي .
وهذه الصحف
مطهرة لا
يأتيها الباطل
من الأمام أو
من الخلف
ومطهرة عن أن
يمسها أي نجس
حسي أو معنوي .
وكما أن هناك
نجاسة حسية
كذلك هناك
نجاسة معنوية
فمثلاً الغيبة
من المغتاب
أشد من
النجاسة
الحسية لأن هذه
يمكن إزالتها
بالماء أما
النجاسة
المعنوية
فإنها تؤدي
إلي النار
والعياذ
بالله . ومنها
قول الله
تعالي )وَلَا
تَرْكَنُوا
إِلَى
الَّذِينَ
ظَلَمُوا
فَتَمَسَّكُمُ
النَّار[ ( 1 )
المشركون
والكفار
تعهدوا بأن
يؤمنوا
بالرسول بعد
بعثته إذا
كانت صفاته
مطابقة لما
عندهم في
التوراة
والإنجيل
لكنهم لم ينفذوا
وعودهم
والسبب أن
الحقد الكامن
في نفوسهم
حولهم عن
عزيمتهم . ولو
تأملنا
لوجدنا أن
فرعون لم يسبب
له الهلاك إلا
حقده
وكبرياؤه ولم
يضيع إبليس
إلا استهتاره
وكبره ومع ذلك( 2 ) فإنك
تري كثيراً من
الناس قد
أعماهم الكبر
فيمشي بين
الناس
مختالاً لا
يعجبه أحد ولا
يملأ عينه أحد
ويستهزئ بكل
الناس .
فهؤلاء
الكفار
والمشركون لم
ينجزوا ما
وعدوا رغم
أنهم رأوا
حقاً أن
الصفات الواردة
في التوراة
والإنجيل هي
من المنطبقة
علي رسول الله
(صلى
الله عليه
وسلم)
وعلموا أن
الرسول هو
رسول الله
حقاً ولكنهم وجدوا
أنفسهم لو
اتبعوه
يصبحون
مرؤوسين بعد أن
كانوا رؤساء
ومتعلمين بعد
أن كانوا
معلمين . بلغ الحقد
في قلوبهم
مبلغاً منعهم
من إتباع محمد
(صلى
الله عليه
وسلم) ومنهم
من رأي نفسه
من أولاد اسحق
بينما محمد (صلى
الله عليه
وسلم) من ولد
إسماعيل .
ولذلك بعد أن
جاءتهم
البينة
تفرقوا
وغيروا رأيهم
وغيروا عزمهم
ونقضوا ما
تعهدوا به . )
وَمَا
تَفَرَّقَ
الَّذِينَ
أُوتُوا الْكِتَابَ
إِلَّا مِنْ
بَعْدِ مَا
جَاءَتْهُمُ
الْبَيِّنَةُ[
كانوا
ينتظرون
البينة وهي
الرسول لكي
يتبعوه ولكن
لما جاءتهم
كفروا
وتفرقوا . هل
وجدوا شبهه أو
وجدوا أن صفات
الرسول غير
الصفات التي لديهم
؟ الجواب لم
يجدوا شبهه
ولا صفات
مخالفة لما
لديهم وإنما
الحال أن
القرآن الذي
جاء به محمد
يأمرهم أن
يعبدوا الله
مخلصين له
الدين حنفاء
وما أُمروا في
كتبهم إلا بأن
يعبدوا الله
مخلصين له
الدين حنفاء )وَمَا
أُمِرُوا
إِلَّا
لِيَعْبُدُوا
اللهَ
مُخْلِصِينَ
لَهُ
الدِّينَ
حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا
الصَّلَاةَ
وَيُؤْتُوا
الزَّكَاةَ
وَذَلِكَ
دِينُ
الْقَيِّمَةِ[ .
وهم يعلمون
أن نبي آخر
الزمان
سيأتيهم
بكتاب مصدق
لما معهم
يأمرهم بما
أُمروا به في
كتبهم من
عبادة الله
مخلصين له
الدين حنفاء أي
مائلين عن
الباطل إلي
الحق ويقيموا
الصلاة
ويؤتوا
الزكاة وذلك
المأمور به في
كُتبهم هو دين
القيمة أي دين
الإسلام .
فهم يعلمون
ذلك ويعلمون
أن الإسلام هو
دين الله الناسخ
لجميع
الشرائع التي
قبله ، وروح
الشرائع هي
الإيمان
بالله وعبادة
الله وحده
بالإخلاص
والميل عن
الباطل إلي
الحق وما أمر
الخلق جميعاً
قديماً
وحديثاً إلا
بذلك .
ما هو
الإخلاص ؟
الشيء الذي
يتصور أنه خالطته
بعض الشوائب
فإن تخليصه من
هذه الشوائب
يسمي إخلاصاً
وخلاصة
ومنشؤه قول
الحق جل جلاله
)مِنْ
بَيْنِ
فَرْثٍ
وَدَمٍ
لَبَنًا
خَالِصًا[ ( 1
) والمعني
أن الحيوان
يتغذي بأنواع
مختلفة من الغذاء
ولا يشرب
لبناً . إنما
اللبن جاء من
الدم الذي جاء
من الغذاء
وأما فضلات
الطعام بعد
ذلك فهي الفرث
وروث الدواب .
فأصل جميع الغذاء
هو البرسيم
مثلاً ونتج
منه الدم
والفرث واستخلص
من بينهما
اللبن فاللبن
خلاصة ذلك .
إذا خلص
اللبن أول
تخليص من بين
الفرث والدم
هو لبن خالص .
وهذا خلاص
نسبي . لأن
الرجل اللبان
يأخذ هذا
اللبن ويخلطه
بالماء ويكون في
نظر الناس
لبناً ولكنه
في نظر المعمل
الكيماوي لبن
مخلوط وهذا
خلاص نسبي . وإذا
نزع اللبان
القشطه من
اللبن فإنه في
نظر الناس
لبناً ولكنه
لبن غير خالص
فهو أيضاً
خلاص نسبي .
فكل من هذه
الأنواع
الثلاثة لبن
ولكن لكل منها
نسبة في
الخلاص
مختلفة عن
الآخر .
لذلك فإن
الصوفية
يقولون : من
الرياء فهو
أخفي من دبيب
النملة السوداء
في الليلة
الظلماء في
الصخرة الصماء
ولا يدرك ذلك
غير أرباب
البصائر .
فتري الرجل
يصلي
التراويح
عشرين ركعة
ولو صحت له
منها ركعتان
يكون في ذلك
فضل كبير وعلي
كل حال كثرة
الغسيل
بالصابون
تؤدي إلي النظافة
. تأمل
معي الإخلاص
في العبادات
علي ثلاث مراتب
:-
إخلاص
العوام وهو
تخليص الفترة
من الشرك
وفروعه بمعني
تخليص القلب
من الشرك ومن
شكوك المعاصي
وأوساخها فإن
من آمن وعمل
الصالحات
ومال إليها
بقلبه فيقال
انه أخلص .
وإخلاص
الخواص هو
تخليص الفطرة
من الشرك أي
تخليص القلب
من الشرك
والشكوك مع
الالتزام
بالإيمان
وعمل
الصالحات
وترك
المحرمات
ولكنه يفعل المكروهات
ويقع فيها ولا
يخلص نفسه
منها شان كثير
من الناس الذين
لا يأبهون ولا
يهتمون بترك
المكروهات .
والمرتبة
الثالثة أن
يفعل ما تقدم
ويترك
المكروهات
ولكنه يعطي
نفسه حظها من
المباحات
ويتركها ترتع
فيها بدون أن يقيدها
ويمتلك
زمامها
ويمنعها من
بعض المباحات
تحرزاً من
الوقوع في
الشبهات .
فالمرتبة الكاملة
أن يترك بعض
المباحات خوف
الوقوع في الشبهات
) وَمَا
أُمِرُوا
إِلَّا
لِيَعْبُدُوا
اللَّهَ
مُخْلِصِينَ
لَهُ
الدِّينَ
حُنَفَاءَ[ فإذا
كان أمر
الإخلاص كما
قدمنا فما في
حاجة التصريح
بقوله حنفاء .
وإذا فهم من
معني الإخلاص
أنه الميل عن
الشر إلي
الخير ومن
معني حنفاء
أنه الميل عن
الشر إلي
الخير إذن
لابد أن هناك
حكمة في
التصريح
بقوله حنفاء .
تأمل معي : ربما
يتوهم أن
الإخلاص
أثناء العبادة
كاف في براءة
الذمة مما كلف
به العباد،
فقد يكون
الشخص مخلصاً
في بعض
العبادات دون
البعض . ولذلك
قال حنفاء أي
مائلين عن
الباطل إلي الحق
في جميع
تصرفاتهم
وأفعالهم
وأحوالهم وملابساتهم
ومعاملاتهم
مع أنفسهم
وغيرهم وربهم
دنيا وأخرى
معتقدين أن
المولي
محاسبهم علي
كل صغيرة
وكبيرة أن
خيراً فخير
وإن شراً فشر .
هنا خطر
بالبال خاطر
عن أمر نسمع
عنه كثيراً
وفي ظاهره
أشكال وكلام
العلماء فيه لا
يشفي الغليل
وهو في معني
الحديث
الشريف (عن
أبي
هُرَيْرَةَ
رَضِيَ
اللَّهُ
عَنْهُ يَقُولُ
قَالَ
رَسُولُ
اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ
قَالَ
اللَّهُ
كُلُّ عَمَلِ
ابْنِ آدَمَ
لَهُ إِلَّا
الصِّيَامَ فَإِنَّهُ
لِي وَأَنَا
أَجْزِي بِهِ
وَالصِّيَامُ
جُنَّةٌ
وَإِذَا
كَانَ يَوْمُ
صَوْمِ
أَحَدِكُمْ
فَلَا
يَرْفُثْ
وَلَا يَصْخَبْ
فَإِنْ
سَابَّهُ
أَحَدٌ أَوْ
قَاتَلَهُ
فَلْيَقُلْ إِنِّي
امْرُؤٌ
صَائِمٌ
وَالَّذِي
نَفْسُ مُحَمَّدٍ
بِيَدِهِ
لَخُلُوفُ
فَمِ الصَّائِمِ
أَطْيَبُ
عِنْدَ
اللَّهِ مِنْ
رِيحِ الْمِسْكِ
لِلصَّائِمِ
فَرْحَتَانِ
يَفْرَحُهُمَا
إِذَا
أَفْطَرَ
فَرِحَ
وَإِذَا لَقِيَ
رَبَّهُ
فَرِحَ
بِصَوْمِهِ )
الصوم عبادة
من العبادات
كالصلاة
وغيرها وله
شروط لصحته
كما للصلاة
شروط لصحتها
فكيف يتصور
عدم اشتراط
الإخلاص في
الصوم ؟ كل
عمل بن آدم له
هل المقصود
الثواب أي كل
عمل بن آدم
ثوابه له وهل
المستثني وهو
الصوم لا ثواب
له ؟ أو هل
المعني كل عمل
بن آدم من
كسبه إلا الصوم
.. الحقيقة أن
كل الأعمال
بما فيها الصوم
من كسب
الإنسان ماذا
قال العلماء ؟
قالوا أن
أعمال
الإنسان كلها
يدخلها
الرياء إلا
الصوم فغنه لا
يدخله الرياء
فيجوز
للإنسان أن
يرائي في غير
الصوم لكن
الصوم لا
يدخله الرياء
وأن الصائم قد
يراءي في غير
الصوم . الواقع
يخالف هذا
لأنه إذا فرض
أن شخصاً يصوم
لا ليقال عنه
أنه صائم فهل
انتقي الرياء
عن هذا الشخص
؟ يجوز أن هذا
الشخص قد
داخله الرياء
من باب آخر
فقد تحدثه
نفسه أنه رجل
كبير في السن
وأنه له مكانة
وله مركز وأنه
يرى كثيراً من
الأطفال يصومون
رمضان
ويستكثر علي نفسه
أن يفطر ويظهر
بمظهر غير
متفق مع سنه
ومركزه ولذلك
يصوم وصومه
هذا ليس
خالصاً لوجه
الله وإنما هو
صوم مشوب
بالرياء لأن
يظهر غير ما يبطن
، أو شخصاً
آخر تحدثه
نفسه بالصيام
حتى يستطيع أن
يجد علي مائدة
الإفطار
أشكالاً وألواناً
من الطعام
ترضي شهوته
فهذا صيامه غير
خالص ومشوب
بالأغراض
الشهوانية ،
أو شخصاً آخر
يصوم ولكنه لا
يصلي فهذا
صيامه ليس
صادراً عن
إيمان وإخلاص
ومراقبة لله
لأنه لو راقب ربه
لقام بواجب
الصلاة
فصيامه أيضاً
غير خالص .
أو شخصاً آخر
يصوم لأنه
يشتغل عند شخص
يصوم ولا يرضي
عن المُفطرين
في رمضان فيخاف
علي نفسه من
الفصل من
وظيفته فهذا
صيامه غير
خالص لوجه
الله ويشوبه
الرياء كما
قال بعض
العلماء
أيضاً أن الصلاة
علي الرسول r لا
يدخلها الرياء
والصحيح أنه
يدخلها
الرياء وإذا
دخلها الرياء
من العبد فلها
وجهان وجه من
جهة العبد
فإنه لا يثاب
عليها إلا إذا
أخلص والوجه
الثاني من جهة
الرسول (صلى
الله عليه
وسلم) فإن
الله تعالي
يرقي رسوله (صلى
الله عليه
وسلم) ولا
يؤثر علي ذلك ما
فعله العبد من
الرياء ، نعود
إلي معني الحدي
الشريف (كُلُّ
عَمَلِ ابْنِ
آدَمَ لَهُ
إِلَّا الصِّيَامَ
فَإِنَّهُ
لِي وَأَنَا
أَجْزِي بِهِ)
يلوح أن
المعني والله
أعلم أن
العبادات ما
عدا الصوم إما
قوليه وإما
فعلية مالية
أو جسمية بالأعضاء
كما هو معلوم
لكن الصوم كف
عن فعل وليس
فعلاً . فإذا
كان الشخص
نائماً فهو
صائم وإذا كان
مستيقظاً فهو
صائم
والقراءة
والحركة التي
تصدر منه لا
دخل لها في
الصوم . فكل
أفعال العبد
لها صورة تضاف
وتنسب إليه
لأنها أقوال
أو أفعال أو
حركات من
الحوادث التي
تنسب إليه أما
الصوم فإنه
صمدانية
وتنزه عن المفطرات
تنزه عن الأكل
والشرب تنزه
عن الفواحش تنزع
عن المعاصي
تنزه عن
النقائض .
ولما كان الحق
جل جلاله من
أسمائه الصمد
ومعني الصمد
أنه لا يأكل
ولا يشرب
ويقال صمد
البعير أي أنه
لا يأكل ولا
يشرب فيكون
الإنسان
بصمدانيته في
الصوم قد تشبه
باسم من أسماء
الحق جل جلاله
وهو الصمد فكان
معني الحديث
من هذا الوجه
أن كل عمل ابن
آدم تصح
إضافته إليه
لأنه حركة
وسكون
وانتقال ومناولة
وكل ذلك من
حركات الحوادث
تصح نسبتها
وإضافتها
للمخلوق ولا تصح
نسبتها
للخالق جل
وعلا إلا
الصوم الصادر
من العبد فإنه
صمدانية من
العبد يتشبه
فيها باسم
الحق جل جلاله
الصمد . فلكون
الصائم تشبه
برب العزة جل
وعلا في صفة
من صفاته من
هذه الحيثية
فلذلك قال (كُلُّ
عَمَلِ ابْنِ
آدَمَ لَهُ
إِلَّا
الصِّيَامَ
فَإِنَّهُ لِي
وَأَنَا
أَجْزِي بِهِ )
وهذا
كناية عن
أجزال العطاء
للصائم لأن
الله سبحانه
وتعالي هو
الذي يجزي علي
كل حسنة ولكن زيادة
في تكريم
العبد فإنه هو
الذي يتولي
جزاءه بنفسه
ومثاله أن
السلطان إذا
أراد أن يجزي
شخصاً علي عمل
حسن عمله فإنه
يعطيه علي يد
أمين من أمناء
السلطان وإذا
أراد زيادة في
إكرامه
وتكريمه فإنه
يتولي بنفسه
العطاء حتى
يكون جزيلاً
ومناسباً للمقام
. والله أعلم . |
---|