Sam Eldin الشيخ عبد الجواد الدومى
Alshak Aldumy
دروس قرآنية لفضيلة الشيخ الدومى
الدرس الثالث عشر

الدرس الثالث عشر

بسم الله الرحمن الرحيم

 (تابع سورة البينة)

      بعد أن ذكر القرآن الكريم حال أهل الكتاب والمشركين قبل البعثة وبعدها شرع يبين مال الفريقين في الآخرة فقال )إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ[ من للتبعيض لن منهم من آمن ومنهم من كفر – فمن كفر منهم فهو )فِي نَارِ جَهَنَّمَ[ هل هم فيها . أي هل هم مظروفون في النار الآن وقت نزول الآية ؟ الجواب بالنفي إذن فما معني في الظرفية ؟ الجواب أن المحقق وقوعه كالواقع فعلاً فهم فعلاً مظروفون في النار الآن لأن صورة النعم التي فيها الآن هي نفسها جهنم بصورة ثانية لأن النار هي نار من حيث كونها دار غضب – فالشخص الجالس في الخمارة ينزل عليه غضب الله فهو في النار – وكذلك كل من يفعل المعاصي فهو في نار ولكن عمي القلب لا يجعله يري النار التي هو فيها والعياذ بالله . فهم في النار وهم مظروفون فيها – لكن العذاب في النار متفاوت من كفر وتعامل بالربا فليس عذابه كعذاب من كفر فقط ومن كفر وتعامل بالربا والزنا فعذابه اكبر – فهم يعاقبون علي ارتكاب المعاصي أيضاً ويدل علي ذلك قول الله تعالي )مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) ..الخ[ ( 1 ) أعني أنهم (مودة) علي حسب القرن العشرين فلا صلاة ولا صوم ولا ذكر ولا صدقة علي المساكين بل زنا وشرب خمر وشرب الدخان في مجالس القرآن وتبجح ووقاحة  ، )إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا[ مظروفون في النار وخالدون فيها علي الدوام . )كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ[ ( 2 ) لا يموت الواحد منهم ولا يحيي أي لا يموت فيستريح ولا يحيي حياة هنيئة والعياذ بالله .

      هذا بيان حال الكفار والمشركين يوم القيامة فما هو حال الفريق الثاني ومن هم ؟ هل هم الأغنياء ؟ هل هم الفقراء ؟ هل هم العلماء  ؟ هل هم أهل القاهرة ؟ هل هم أهل مكة ؟ هل هم العرب ؟ الجواب لا شيء من ذلك أنما هم الذين آمنوا وعملوا الصالحات )إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ[ أيا كانوا . فمن آمن وعمل الصالحات أياً كان عربياً أو أعجمياً . سودانياً أو تركياً أو شامياً أو قرشياً أو حبشياً . فمن كفر فإنه في جهنم ولو كان من نسل إسماعيل ومن آمن فهو في الجنة ولو كان من نسل يهود .

      وليس العلم حجة للعالم لدخول الجنة بل هي حجة عليه إذا لم يعمل بما علم . وكذلك إذا لم يكن يقرا فإن سماعه القرآن حجة عليه فإذا لم يكن يقرا الآية )وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً[ ( 1 ) فقد سمعها ولم يعمل بها ويحاسب يوم القيامة علي مخالفتها ولا يستطيع الإنكار يوم تشهد عليه أذنه ويشهد عليه لسانه .

      ) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ[ لم يقل أن الذين آمنوا (لهم جنات) ليعرف كل إنسان أن دعوي الإيمان إن لم يقم عليها دليل فهي دعوي كاذبة والدليل هو عمل الصالحات- والدعوة الكاذبة لا تخفي علي الله لأن الله لا يخفي عليه شيء في الأرض ولا في السماء وهو مطلع عليه في جميع أحواله . ولا يجوز له أن يفعل المعاصي ويقول أن الله )غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ[ لأن الله تعالي يقول عقبها ) شَدِيدِ الْعِقَابِ[ ( 2 ) فهو غافر الذنب لمن لم يصر علي الذنب وقابل التوب لمن تاب وصدق في التوبة . فلا يصح لك أيها المسلم أن ترتكب المنكرات اتكالاً علي عفو الله لأن الله أنزل القانون متن السماء فلا تخالف القانون المنزل وترتكز علي العفو لأن العفو له شروط واضحة في القانون .

      )إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَٰئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّة[ أجعل التفضيل علي بابه فشر البرية كثيرون فالمؤمن العاصي من شر البرية والزاني من شر البرية ومؤذي الجار من شر البرية لكن أشر الجميع هم الكفار والمشركون.

       )إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ .... أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ[ أجمل التفضيل هنا أيضاً علي بابه فالمؤمن المتصدق من خير البرية والمؤمن المصلي من خير البرية  , ولكن أخيرهم جميعاً من آمن وعمل الصالحات – وجزاؤهم المدخر لهم يوم القيامة هو جنات )لَهُمْ جَنَّاتٌ[ ليست محدودة بوقت بل هي )جَنَّاتُ عَدْنٍ[ أي إقامة دائمة )تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ[ تجري من تحت قصورها أنهار ليست بأخاديد أو حفر في الأرض ولكنها تجري فوق الأرض لو اشتهي المؤمن عسلاً لوجد العسل دانياً منه ولو اشتهي الماء الزلال لوجده دانياً منه بدون تعب أو مشقة وفيها أنهار من خمر لذة للشاربين وخمر الجنة لا يشربها من شرب خمر الدنيا من أولئك الذين يتعاطون والخمر والعياذ بالله بدعوى أنها تنسيهم الهموم ليستعينوا بها علي الصبر علي مصائبهم ونسوا قول الله تعالي )وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ[ أي استعينوا علي قضاء جميع حوائجكم في الدنيا والآخرة بالصبر والصلاة وشكر الله تعالي علي نعمه .

      )أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ[ )جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ[ لو نظر الشخص منهم لهذه النعم وظن أنه سيتركها بعد مدة لكان يتألم وتتنغص عليه حياته وتنقص لذته لذلك قال الله تعالي )خَالِدِينَ فِيهَا[ ولما كان الخلود يحتمل أن يعبر عن طول المكث لذلك اعتني الله تعالي بأهل الجنة وطمأنهم )خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا[ .

      ولكن هناك شيء آخر مهم وفوق ذلك كله . فمن الناس من يستضيفه الملك ويكون مسروراً بهذه الضيافة ولكن سروره ليس من كثرة الأكل والطعام والشراب ولكن سروره من أن دعوة الملك له تدل علي الرضا . وهذا هو المهم عنده وإن كان الأكل مهما عند غيره .فكذلك أهل الجنة فإن من أهلها من لو حجب عن رؤية وجه ربه الكريم فإنه يستغيث من الجنة كما يستغيث أهل النار من النار . ومنهم من يزوجه الله بمئات من الحور العين لكن اللحظة التي يحجب فيها عن سيد المرسلين (صلى الله عليه وسلم) يستغيث فيها من الحور العين وينسي كل شيء .

      والرضي في قول الله تعالي )رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ[ والخشية في قوله )ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّه[ تحتاج لكلام في الدرس القادم إن شاء الله .



( 1 ) آية 42 ، 43 سورة المدثر

 ( 2 )  آية 56 سورة النساء

( 1 )  آية 12 سورة الحجرات .

( 2 ) آية 3 سورة غافر