الشيخ عبد الجواد الدومى
Alshak Aldumy دروس قرآنية لفضيلة الشيخ الدومى الدرس السابع عشر |
---|
الدرس
السابع عشر بسم
الله الرحمن
الرحيم )إِذَا
جَاءَ نَصْرُ
اللَّهِ
وَالْفَتْحُ
(1) وَرَأَيْتَ
النَّاسَ
يَدْخُلُونَ
فِي دِينِ
اللَّهِ
أَفْوَاجًا (2)
فَسَبِّحْ
بِحَمْدِ رَبِّكَ
وَاسْتَغْفِرْهُ
إِنَّهُ
كَانَ تَوَّابًا
(3) [
الخطاب
للنبي (صلى
الله عليه
وسلم)
كسائر القرآن
الكريم إلا ما
وجه فيه
الخطاب للمكلفين
كقوله مثلاً )أَقِيمُوا
الصَّلَاةَ[
أي قل
لأمتك يقيموا
الصلاة فهو
مقدر فيه القول
، والخطاب في
هذه السورة
الكريمة
للنبي (صلى
الله عليه
وسلم)
والمقصود هو
وأمته ،
والمقصود
بالنصر مطلق
النصر أي إذا
جاءت معونة
الله تعالي
وفتح الله
عليكم البلاد
ودخل الناس في
دين الله
أفواجاً
وجماعات بعد
أن كانوا
يدخلون فرادي
واحداً واحدا
أو اثنين أثنين
فإياكم أن
تنسوا مسبب
الأسباب أو أن
تنسبوا
التأثير
للأسباب
فتخسروا في
الدنيا والآخرة
. واعلموا أن
الأسباب
والآلات
تستعمل امتثالاً
لأمر الله
تعالي لكن
الفاعل هو
الله وحده وهو
القائل ) وَمَا
رَمَيْتَ
إِذْ
رَمَيْتَ
وَلَكِنَّ اللَّهَ
رَمَى[ (
1 )
)قَاتِلُوهُمْ
يُعَذِّبْهُمُ
اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ[ ( 2
)فالمعذب
هو الله )وَيُخْزِهِمْ[
أي الله
هو الفاعل )وَيَنْصُرْكُمْ
عَلَيْهِمْ [ أي أن الله
هو الناصر.
وهذا كله يؤكد
أن الفاعل هو
الله وحده وأن
التأثير لله
وحده وليس للأسباب
أو الآلات ،
ولكن الله
تعالي أمر
بالجهاد وفعل
الأسباب ليثيب
قوماً ويعاقب
آخرين . وقد
ضرب الله في
القرآن
الكريم أمثالاً
لذلك( 3 )
بقوله تعالي)وَيَوْمَ
حُنَيْنٍ
إِذْ
أَعْجَبَتْكُمْ
كَثْرَتُكُمْ
فَلَمْ
تُغْنِ
عَنْكُمْ
شَيْئًا [(
4 )
وفي يوم بدر
قال )وَلَقَدْ
نَصَرَكُمُ
اللَّهُ
بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ
أَذِلَّةٌ [(
5 )
إذن النصر من
عند الله وحده
. ولما كان
الأساس هو
نصرة دين الله
ونصر دين الله
يحتاج لمقابلة
العدو
بالآلات
والمعدات
المماثلة لما
عنده لذلك وجب
الجهاد في
سبيل الله
واستعمال هذه الآلات
والله تعالي
هو الناصر . )إِذَا
جَاءَ نَصْرُ
اللَّهِ
وَالْفَتْحُ[ إذا جاءك
يا محمد أنت
وأصحابك
وأمتك من بعدك
)إِذَا
جَاءَ[ هل كان
النصر غائباً
؟ نعم كان
غيبياً
والأشياء
كلها في علم
الله سبحانه
وتعالي
والمقرر من
الله جل جلاله
كالحاصل
فعلاً ومثال
ذلك أن الأمور
التي تدرج في
ميزانية
الدولة تعتبر
كأنها حاصلة
إذ أنها تنتظر
الوقت فقط فمن
باب أولي ما
قضاه الله
تعالي في سابق
علمه فالله
سبحانه
وتعالي قضي
بالنصر
للمؤمنين ووعدهم
به ووعده لا
يخلف . قال
الله تعالي )وَكَانَ
حَقًّا
عَلَيْنَا
نَصْرُ
الْمُؤْمِنِينَ [(
1 )
)إِنَّا
لَنَنْصُرُ
رُسُلَنَا[ فالنصر
مقرر فإذا جاء
وقته وتحققت
شروطه حصل
ولابد ، وإن
تأخر كان سبب
التأخير وجود
مانع أو تخلف
شرط أو عدم
مجيء الوقت .
فإذا كان الله
قد وعد المؤمن
بالنصر فيجب
لكي يحصل
النصر أن تتوفر
في الشخص شروط
الإيمان
وحلول الأوان
،)إِذَا
جَاءَ نَصْرُ
اللَّهِ[ النصر
مقدر ومقرر
فكأن الله
يبشر بالنصر
المؤمنين الذين
يعملون
الصالحات ومن
شارك النبي (صلى
الله عليه
وسلم) وأصحابه
في صفاتهم إلي
يوم القيامة ،
في الآية
الكريمة )إِنَّا
لَنَنْصُرُ
رُسُلَنَا
وَالَّذِينَ
آَمَنُوا[( 2 )
لو اقتصر
الأمر علي
مفهوم هذه
الآية
الكريمة وحدها
لكان في ذلك
تيئيس
للمؤمنين
الذين يجيئون
بعدهم ، لأن
قوله تعالي )وَالَّذِينَ
آَمَنُوا [(
3 ) قد
يفهم منه أن
المعية تقتضي
ذلك الفهم ،
ولذلك قال
الله تعالي في
آية أخرى ) وَكَانَ
حَقًّا
عَلَيْنَا
نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [ فأفادت
هذه الآية أن
المؤمنين
الذين يشاركون
النبي (صلى
الله عليه
وسلم) وأصحابه
في صفاتهم
داخلون في هذه
البشري . فكذلك
قول الله
تعالي هنا )إِذَا
جَاءَ نَصْرُ
اللَّهِ
وَالْفَتْحُ [أي
للنبي (صلى
الله عليه
وسلم)
وأصحابه ولمن
جاء بعده من
المؤمنين . هل
المقصود
بالنصر هنا هو
النصر علي
العدو
المحارب فقط ؟
والإجابة أن
المقصود
بالنصر ليس
قاصراً علي
ذلك فقط بل هو
يشمل النصر
المطلق فيشمل
نصر الإنسان
علي نفسه وعلي
شيطانه وعلي
شياطين الإنس
والجن ونصره
علي شهوات
البطن والفرج
وعلي جميع
أعدائه . وهل
المقصود
بالفتح هنا هو
فتح مكة فقط ؟
والإجابة أن
المقصود
بالفتح هو
الفتح المطلق
، فلو دخل
إنسان بلده
أهلها كفار أو
تاركو صلاة
وظل معهم
ينصحهم
ويرشدهم حتى
دخلوا في الإسلام
أو أقاموا
الصلاة
وشعائر الدين
فهذا فتح من
الله . وكذلك
الفتح يشمل
الهداية علي
يديك أو توبة
العاصي علي
يديك أو إرشاد
المتعلمين
علي يديك ، أو
نور البصيرة
يمنحه الله
لمن يشاء ، أو
إقامة شعائر
الدين بعد ضياعها
أو حفظها بعد
نسيانها
وإهمالها ، أو
الهدي بعد
الضلال .
فالمراد
بالفتح كل ما
يشمله معني
الفتح حساً
ومعني . إذا
نصرك الله علي
عدوك الحسي
وعدوك
المعنوي وجاء
النصر بمجيء
وقته
واستيفاء
شروطه فسبح بحمد
ربك . أما إذا
تأخر النصر
فلا تيأس من
رحمة الله ولا
تتهم ربك جل
وعلا بخلف
الوعد . فإنه
وعدك بالنصر
متى استوفيت
الشروط وجاء
الوقت فإذا لم
يحصل النصر
فهو دليل علي
عدم استيفاء
الشروط أو عدم
حلول الأوان ،
وإن شاء الله
أن تطلع الشمس
في الساعة
الخامسة
صباحاً مثلاً
فلو اجتمع
الإنس والجن
علي أن
يطلعوها قبل ذلك
بدقائق ما
استطاعوا
فكذلك شمس
العز وشمس الصحة
وشمس السعادة
وشمس المعرفة
وشمس الوظيفة
وشمس المطلوب
كله لا تطلع
إلا إذا جاء موعد
شروقها . )إِذَا
جَاءَ نَصْرُ
اللَّهِ
وَالْفَتْحُ [عمم( 1 ) مطلق
النصر وعمم
مطلق الفتح .
أي إذا جاء
نصر الله
وفتحه ودخل
الناس في دين
الله أفواجاً
إما بإيمانهم
بالله ورسوله
وأما
بهدايتهم وتمسكهم
بالدين بعد
إهماله ، أو
بإقامتهم
للحدود بعد
تركها . إذا
رأيت ذلك
ورأيت جمعاً من
الناس في بلد
أو في شارع أو
في عائلة قد
أسلموا
واهتدوا فهذا
فتح كفتح مكة
سواء بسواء . وهذه
الأمور كلها
شرع الله
تعالي لها
أسباباً كغيرها
من الأمور . )إِذَا
جَاءَ نَصْرُ
اللَّهِ
وَالْفَتْحُ
(1) وَرَأَيْتَ
النَّاسَ يَدْخُلُونَ
فِي دِينِ
اللَّهِ
أَفْوَاجًا (2)
فَسَبِّحْ
بِحَمْدِ
رَبِّكَ
وَاسْتَغْفِرْهُ
(3) [معاذ
الله أن يكون
قد حصل أو قد
يحصل تقصير من
النبي (صلى
الله عليه
وسلم)
حتى يستغفر
منه ، وكما
سبق بيانه فإن
هذا الخطاب هو
مما أراد به
النبي (صلى
الله عليه
وسلم)
وأمته ، إلي
قوله فسبح
بحمد ربك وأما
الاستغفار
فالمخاطب هو
النبي (صلى
الله عليه
وسلم)
والمقصود
الأمة ، فيكون
المعني والله
أعلم بلغ أمتك
أنه إذا حصل
وجاء نصر الله
وجاء الفتح
وحصلت النعم
الجزيلة بأن
نصركم الله
علي عدوكم
وبأن نصر الشخص
علي نفسه
ونصره علي
شيطانه وفتح
الله عين
بصيرته أو سخر
له قلوب
العباد
فامتثلوا
لأمره
وأطاعوه
وأطاعوا الله
واهتدوا علي
يديه إذا حصل
هذا فاعلموا
أن الأسباب لا
تشارك الله في
التأثير
ونزهوا الله
عن ذلك وضموا
للتنزيه الحمد
والثناء علي
الله فسبحوا
بحمد ربكم .
واعلموا أن
القلوب قد
تركن للأسباب
أو تعجب بظاهر
الأسباب وهذا
يعتبر ذنباً
في حق كل المؤمنين
فعليهم أن
يستغفروا
ربهم من هذا
الذنب . واعلموا
أن الله تعالي
يغفر هذا
التقصير بل هو
يغفر ما هو
أكثر من ذلك .
فالله يغفر
للكافر إذا أسلم )إِنَّهُ
كَانَ
تَوَّابًا [ شأن
ربك منذ القدم
أنه تواب وأنه
لا ييئس أحداً
منه مهما كانت
ذنوبه إذا
استغفر وتاب
فشأنه جل
جلاله أنه كان
تواباً .
وخلاصة
المعني إذا
جاء نصر الله
في أي وقت كان
ومن أي نوع
كان وجاء فتح
الله في أي وقت
كان ومن أي
نوع كان فكل
هذا نعم من
الله سبحانه
وتعالي . وهذه
النعم قد تأتي
مقترنة
بأسبابها عند
مزاولة هذه
الأسباب ،
فمجيء هذه
النعم نعمة
والتوفيق
للأسباب نعمة
. ولكن
اقترانها
بالأسباب قد
يوهم دخلاً للأسباب
في التأثير
وقد يبعث علي
الركون لهذه
الأسباب إذن
فسبح بحمد ربك
واشكر ربك وقل
لمتك
يستغفرون
ربهم
فالمخاطب هو
النبي (صلى
الله عليه
وسلم)
والمقصود
الأمة .
فالأمة هم
المقصودون
بالاستغفار .
فالكامل منهم
يستغفر من
(خلاف الأولي)
وغيره يستغفر
من المكروه وغيره
يستغفر من
المحرمات ،
وكل إنسان يجب
أن يدخل ضمن
من نص عليهم
الحق جل جلاله
أنهم من المحبوبين
. فلم يقل الحق
أن الله يحب
المصلين أو يحب
المزكين بل
قالوا )إِنَّ
اللَّهَ
يُحِبُّ
التَّوَّابِينَ [ لذلك
تري الكل
يتوبون إلي
الله كثيراً
وهو ما أشار
إليه النبي (صلى
الله عليه
وسلم)
في قوله (والله
إني لأستغفر
الله وأتوب
إليه في اليوم
أكثر من سبعين
مرة). ولكن الذي
يستنكف عن
الاستغفار
وعن التوبة فهو
داخل في قوله
تعالي )وَإِذَا
قِيلَ لَهُ
اتَّقِ
اللَّهَ
أَخَذَتْهُ
الْعِزَّةُ
بِالْإِثْمِ[( 1 )
وأما النبي (صلى
الله عليه
وسلم) فهو
معصوم وعصمه
الله تعالي
واصطفاه
وطهره ونقاه
قبل خلق الخلق
.
وبهذا
التقرير ندفع
أشكالاً
كثيرة .
لو تأملت هذا
لمعني هو ما
أشار إليه النبي
(صلى
الله عليه
وسلم)
لما دخل مكة
في العاشر من
رمضان في
السنة الثامنة
من الهجرة .
فلما فتح له
باب الكعبة
فدخلها وصلي
الضحى ثماني
ركعات ثم
استقبل الباب
وقال لا إله
إلا الله وحده
لا شريك له
صدق وعده ونصر
عبده وهزم
الأحزاب وحدة
وفي رواية وعز
جنده . وبهذا
الحديث بين
النبي (صلى
الله عليه
وسلم)
المراد من
السورة
الكريمة .
فقوله (صلى
الله عليه
وسلم)
لا إله إلا
الله هو معني
قول الله
تعالي فسبح بحمد
ربك أي أن
المعني لا إله
إلا الله لا
معين إلا الله
ولا ناصر إلا
الله ولا موفق
إلا الله ولا
مسدي للنعم
إلا الله ولا
خاذل للكفر إلا
الله . فالله
وحده صدق وعده
ونصر عبده
فأنا عبده وغاية
الأمر أن الله
أكرمني
بالفعل لله
وحده فلا إله
إلا الله وحده
في الذات
والصفات
والأفعال فهو
سبحانه
وتعالي منزه
عن كل نقص ولا
فعل لغيره
وإنما هي أمور
أجراها الله
علي يدي فصدق
الله وعده
ونصر عبده وما
السيوف
والآلات
والرماح إلا
أسباب فقط ولكن
النصر من عند
الله تعالي
فهو الذي هزم
الأحزاب وحده
.
وإن كان الله
قد أجري علي
أيدينا أسباب
النصر علي
الأعداء فذلك
ليكتب لنا
الثواب ويعطينا
مقام الشهادة
لمن يستشهد
ويعطينا ما يشاء
من الغنائم في
الدنيا مع
الثواب في
الآخرة .
فقوله (صلى
الله عليه
وسلم)
تفسير لقول
الله تعالي )إِذَا
جَاءَ نَصْرُ
اللَّهِ
وَالْفَتْحُ
إلي آخر
السورة[
فتلاقي
الحديث
والسورة في
المعني والله
أعلم . ( 1 ) آية 17 سورة
الأنفال ( 2 )
آية 14 سورة
التوبة ( 3 ) أي منالاً
يوضح أن
التأثير لله
وحده وأن
الأسباب وإن
كان مأمور بها
إلا أنه لا
تأثير لها راجع
دروس سورة
أقرأ من هذا
الكتاب ( 4 ) آية 25 سورة
التوبة ( 5 ) آية 123 سورة
آل عمران ( 1 ) آية
47 سورة الروم ( 2 ) آية
51 سورة غافر ( 3 ) وذلك إذا
فهمت الواو
للمعية ( 1 ) يعني أي
نصر تحقق أو
فتح من الله
به عليك فهو داخل
في هذا الخطاب
العام . ( 1 ) آية 206 سورة
البقرة |
---|