رجال الطريقة الخلوتية

داود بن نصير الطائى

سيدى الشيخ/ داود الطائى رضى الله عنه

 

        هو سيدى العارف بالله تعالى: أبو سليمان داود بن نصير الطائى، نسبه إلى قبيلة بنى طى، الفقيه الواعى، البصير الراوى، العبد الطاوى، رفيع المقدار كثير المريدين والأنصار, أخذ الحديث عن عبد الملك بن عمير، وعروة بن هشام وغيرهم، وأخذ عنه بن علية واسحاق السلولي، وغيرهم.

 

      قال الذهبى رحمه الله: كان إمامًا فقيهًا ذا فنون عديدة, ثم تعبَّد وآثر الخلوة والوحدة وأقبل, علا شأنه وساد أهل زمانه أ.هـ.

 

     وكان يحضر مجلس الإمام أبى حنيفة رضى الله عنه، فقال أبو حنيفة يومًا في تقريره: أما الأدلة فقد أحكمناها، فقال له داود رحمه الله: فما بقى؟ قال: العمل بما علمناه, فاعتزل وتزهد وتعبد وانقطع لذلك حتى صار في المجاهدة فحلاً من الفحول.

 

سبب زهده

أسباب زهده رضى الله عنه كثيرة أذكر منها أنه دخل المقبرة فسمع امرأة عند قبر تقول:

 

مقـــيم إلى أن يبعث الله خلقه لقـــاءك لا يرجى وأنت قريب

نريــد تلاقــى كــل يوم وليلة وتبلى كما تبلى وأنـت حبيب

 

وقيل: إن امرأة جاءت إلى أبى حنيفة رضى الله عنه تسأله عن مسألة فأجابها, فأعجبت بجوابه, ثم قالت هذا العلم، فأين العمل؟ فأثر كلامها فى قلب داود رضى الله عنه، فاعتزل وتعبد، فصار عظيم الشأن علمًا وعملاً وزهدًا وورعًا.

 

       ومهما كان السبب، فإذا إراد الله بعبد خيرًا هداه إلى طريق الصالحين، وطريق الصالحين صعب على النفس.

 

صلته بسيدى/ حبيب العجمى رضى الله عنه:

      كان الشيخ داود مريدًا للشيخ حبيب العجمى, هذا هو المتفق عليه بين سلاسل الطرق، وسيدى داود الطائي كان مريدًا لحبيب العجمى بدليل ما ذكره صاحب كتاب (اللمظات الحلوية وهو تركي ص169)، والشيخ إبراهيم خاص فى (رسالة السلسلة ص7)، فإنه أثبت أنه كان مريدًا لحبيب العجمى، والجبرتى في تاريخه وجميع سلاسل الطرق الصوفية من فرع الجنيد البغدادى يثبتون صحبة داود الطائى لشيخه حبيب العجمي، رضى الله عنهما.

 

بعض من أقواله رض الله عنه:

       ما أخرج الله عبدًا من ذل المعاصي إلى عز التقوى, إلا أغناه بلا مال، وأعزه بلا عشيرة، وآنسه بلا بشر.

 

      وقال: علامة كمال الزهد فى الدينا، ترك مجالسة أهلها وعيادتهم إذا مرضوا إلا بنية خالية عن العلل.

 

      وكان لا يتجرأ أن يسأل الله الجنة فيقول:

وددت أنى أنجو من النار وأصير ترابًا، وقال له رجل، أوصني، قال: عسكر الموتى ينتظرك، وقال له آخر أوصنى، قال أقلل من معرفة الناس، قال زدنى قال: ارض بالقليل من الدنيا مع سلامة الدين كما رضى أهل الدنيا بها مع فساد الدين، وقال: إنما الليل والنهار مراحل ينزلها الناس مرحلة مرحلة، حتى ينتهى بهم ذلك إلى آخر سفرهم، فإن استطعت أن تقدم في كل مرحلة زاد لما بين يديها فافعل, فتزود لسفرك واقض ما أنت قاض فكأنك بالأمر قد بغتك والسلام.

 

      وقال: مسكين ابن آدم قطع الأحجار أهون عليه من ترك الأوزار،

وقال: أصحب أهل التقوى فإنهم أيسر أهل الدنيا مؤنة, وأكثرهم معونة لذلك وقال: إنى أستحيى من الله أن يرانى أخطو خطوة التمس فيها راحة نفسى في الدنيا حتى يخرجنى الله منها.

 

من كرامات سيدى داود الطائي رضى الله عنه:

     ماتت امرأة بجوار داود، فقال فيها: ماتت بجوارى ولم يكن لها كبير طاعة, فقيل لى: يا داود, اطلع في قبرها, فاطّلعت فرأيت فيه نورًا عظيمًا, وفرشًا وطيئة, وسررًا عالية، فقلت: بما استوجبت هذا؟ فنوديت: استأنست بنا في سجدتها فآنسناها في وحدتها.

 

   رأي بعضهم في المنام كأن قائلاً يقول: من يحضر؟ من يحضر؟ قال: فأتيته، فقال ما تريد؟ قلت: سمعتك تقول من يحضر؟ من يحضر؟ فأتيتك أسألك عن معنى كلامك فقال لى: أما ترى القائم الذي يخطب على الناس فيخبرهم من أعلى مراتب الأولياء فأدركه فلعلك تلحقه وتسمع كلامه قبل انصرافه، فأتيته فإذا الناس حوله وهو يقول:

 

ما نــال عـــبد مــن الرحـمن منزلة               أعلى من الشوق, إن الشوق محمود

 

قال: ثم سلم وترك، فقلت لرجل إلى جنبى من هذا؟ قال: أما تعرفه؟ قلت: لا, قال: هذا داود الطائى, فتعجبت من منامى ومما رأيت منه.

 

بعض من مريدى سيدى داود الطائى رضى الله عنه:

1-  سيدى/ أبو بكر النساج.

2- سيدى/ أحمد بن عاصم الأنطاكى.

3- سيدى/ سعدون المجنون

4- سيدى/ معروف الكرخى، وهو الذي انتشرت الطريق على يديه، وغير هؤلاء.

رضوان الله عليهم أجمعين.

 

 

بِمعروفٍ الكَرْخِىِّ, والقُطْبِ بَعْدَهُ          سِرِىِّ تِقَبَّلْنَا بِفَضْلِكَ واهْدِنا