رجال الطريقة الخلوتية

إبراهيم بن روشن أمير: إبراهيم الزاهد الكيلانى

سيدى الشيخ/ إبراهيم الزاهد الكيلانى

رضى الله عنه

 

     هو مظهر نور النبوة، مرشد علماء الطريقة والشريعة، من الشيوخ الأقطاب في الزهد والعبادة بطريق الحق، حضرة الشيخ/ إبراهيم الزاهد الكيلاني (الجيلانى) قدس الله سره الربانى.

 

اسمه: إبراهيم بن روشن أمير بن الشيخ بابل بن الشيخ بيدار الكردى السنجاسى, لقبه: تاج الدين، وكنيته أبو الصفوة، ومخلصه أى شهرته: الزاهد، الكيلانى، وهو شيخ بن شيخ حتى جده السابع ولد في قرية [سيارود] من كيلان، ونشأ بها وقرأ القرآن، وأخذ عمن بها من علمائها، وكان الشيخ جمال الدين مقيمًا فى جيلان والشيخ إبراهيم الزاهد كان صغيرًا، يحمل كتابًا تحت إبِطه ويذهب إلى المدرسة.

 

فرآه الشيخ/ جمال الدين، فوضع يده المباركة على رأسه، وقال: لقد بعثنا حضرة شيخنا شهاب الدين إلى جيلان لإرشاد هذا المعصوم: أى الشيخ إبراهيم.

 

وطبقًا لما نقل أيضًا: أن الشيخ إبراهيم عندما كان في سن البلوغ، ذهب إلى شيراز ليتقدم في العلوم الظاهرية، وبعدما حصل على تلك العلوم، غلبت عليه رغبة تعلم العلوم الباطنية، كما حدث لأجداده، وبايع أكبر شيوخ عصره وهو حضرة الشيخ/ سعدى الشيرازى حتى يصبح من خيرة الخلق وليصل إلى الحق تعالى بحسن السلوك، ووصل إلى الكثير من الحقائق بهذا الفيض، وانضم إلى أرباب الخلوتية الذين لا يحصى عددهم، وبالرياضيات تجلت أمامه انكشافات لا تحصى ولا تعد, وبعد النشوة الأزلية– العلوية لم يتسلَّ بما ظهر له وكشف عن حاله للشيخ سعدى فقال له معطيًا الأذن "يابني إن استطعت أن أوصلك إلى هذا المقام، فارجع إلى بلدتك جيلان، وكن في خدمة الشيخ جمال الدين وسيحصل لك المقصود، فذهب الشيخ إبراهيم من شيراز إلى بلدته جيلان وذهب إلى تكية السيد/ جمال الدين الذي يسكن في نهاية (لاهجان) وبايعه ودخل في خدمته، وألبسه الخرقة، وأجازه بالإرشاد لنفع العباد، وكان مجاهدًا، صائم النهار، وقائم الليل، واشتغل بعد شيخه عشرين سنة بالمجاهدات والخلوات، وكان مواظبًا على صوم الوصال ولم يفطر إلا في الجمعتين بشىء جزئى.

 

وكان رضى الله عنه أول من سلَّك المريدين وأرشد المسترشدين بالأسماء السبعة وهي [لا إله إلا الله، الله، هو، حق، حي قيوم، قهار]، وكان المشايخ قبله يسلكون بالأسماء الثلاثة، من أول وقت الجنيد البغدادى وكان قبله المشايخ بكلمة التوحيد فقط، وإنما وقعت هذه الزيادة لتسهيل سلوك السالكين وتيسير وصول الطالبين.

 

وكان وراثًا للأسرار المحمدية وقدوة للمشايخ الخلوتية والجلوتية فإنما اجتمعتا فيه(الجــلوتية نسبة للشيخ اسحاق بن جبريل الأردبيلى الشهير بصفي الدين).

 

ومن أقواله:

زوال الأنفس في الروض الأقدس وتكرم وتظرف وتنسم وتلطف، تنال المقام الأشرف.

 

ومن مناقبه رضى الله عنه:

        في يوم ما: كان الشيخ الزاهد يتجول بين الأغصان في البرية فرأى أن العشب والغصن الذي يمسكه يتحول إلى فضة خام، بكي وخر ساجدًا وتاب واستغفر الله، وغيَّر طريقه ومرَّ بناحية أخرى، فرأى أن الأغصان التي تمر عليها يده تحولت إلى ذهب خالص، فألقى ما بيده على الأرض وتمنى أن ينجو من الحزن وذهب إلى شيخه بحزنه وندمه وبكى وتوسل إليه أن ينجيه من تلك الحالة، فقال له الشيخ السيد(جمال الدين): إن تلك الحالة تجربة، واختبار للسالكين، فأرواح كل الأنبياء والأولياء، وأهل الأرض والسماء، والملك والملكوت، إلا قالوا: عليك زاهد، وأطلقوا عليك اسم الشيخ الزاهد.

 

ومن مناقبه أيضًا رضى الله عنه:

أنه أطلق عليه اسم الزاهد لسبب آخر أيضًا: في يوم ما أخذ بأمر أستاذه الأرز من الحقل، ووضعه في الزكيبة وعند إحضاره هذه الزكيبة إلى سيده تعب جدًا وجلس في مكان ما واستراح وسقطت من الزكيبة التي كانت على ظهره حبة واحدة من الأرز، فأخذها الشيخ إبراهيم وأراد أن يضعها في فمه ولكن في هذه اللحظة جاء إلى خاطره عزة وحرمة أستاذه، فتراجع عن وضع تلك الحبة في فمه ووضعها في الزكيبة مرة أخرى، وبعد هذا أحضرها وسلمها لبيت شيخه، فقال له الشيخ السيد (جمال الدين) مبينًا له حاله: يا إبراهيم لقد أظهرت أنك من الصادقين ووفيت بعهدك، وفزت باسم الزاهد، فخر الشيخ إبراهيم على قدم الشيخ (جمال الدين) وكان هذا مظهر صفاء في أنظارهم.

 

وذكر أيضًا:

لقد وصل الشيخ الزاهد إلى درجات عالية في العلوم الظاهرية والشرعية، ولأنه عالم لدرجة إعطاء الفتوى فكان لا يسعد من نهوض الدراويش بالشوق والجذبة إلى السماع، وأنه لم يقل شئ إلا أنه لم يكن يشارك إخوانه في نهوضهم للسماع والدوران وكان يقف خارج الحلقة، وفي يوم ما دفعه شيخه السيد جمال إلى حلقة الدوران والسماع غصبًا ليختبره وسقط الزاهد الذي لم يتحمل جذبة وسرعات السماع، وجاء الشيخ إلى جواره وضربه ضربًا مبرحًا بعصاه فلما أغمى عليه تركه في منزل التوحيد والسماع وحيدًا, وذهب هو والدراويش، وذهب الشيخ السيد (جمال الدين) إلى منزله، وقال لزوجته ضربت الزاهد ضربًا مبرحًا فلو فارقنا وعانى من الألم فهو يعرف نفسه، لقد تركته وحيدًا على تلك الحالة في بيت السماع، فلو مضى بسبب ما عاناه من الألم سيفقدنا ونفقده، وإن لم يمض وعاد إلى بابنا متوسلاً سنسلمه الأمانات الإلهية، ولذلك فإن هذا آخر امتحان له، وفي تلك الليلة ظل الزاهد مُغمى عليه إلى وقت متأخر في بيت السماع، فلما آفاق فهم أن الشيخ ضربه كثيرًا وتركه وذهب هو ومن معه فنهض من مكانه وخرج إلى الطريق ليلاً وجاء إلى بيت شيخه ووضع رأسه على عتبة باب شيخه، وبكى وتضرع إلى المولى عز وجل أن يغفر له ويسامحه، ولما استيقظ السيد ليلاً ليؤدي صلاة التهجد وعند خروجه ليتوضأ وجد الزاهد على عتبة الباب فأنهضه من على الأرض وقبله بين عينيه وبعد هذا قال: (بني لقد اختبرناك, وكان الاختبار في جسدك تلك المرة والحمد لله، لقد نجحت مائة في المائة، وسلمه السر وأعطاه الخلافة، وأوصاه قائلاً فلتتجول بعدى عشرين سنة وجاهد، وعندما يأتى وقت إرشادك سنخبرك (سأخبرك).

 

ومن مناقبه رضى الله عنه:

        بعد وفاة شيخه السيد (جمال الدين) كان يجاهد نفسه ويقوم بالرياضات فكان يصوم كل أيامه ويقوم لياليه، ويحاسب نفسه، وكان يعمل في حقله بالنهار وهو صائم وكان في الليل يضع طرف عصاه الحديد، ويتكئ عليه بلحيته الحادة عليها، فيستطيع أن يبقى مستيقظًا، وانضم إلى أصحابه مرتين في السنة، وكان يفطر بشربة الشعير مرة كل خمسة عشر يومًا ولما أتم تلك الحال عشرين سنة جلسوا له ليرشدهم الإرشاد المعنوى.

 

ومن كراماته رضى الله عنه:

في وقت ما خرج للتجوال، ومر في طريقه على (أردبيل) (أردبيل تقع حاليًا في دولة إيران) ونزل ضيفًا في مسجد الشيخ عبد الملك، وظهر عبد الملك مؤسس المسجد للمؤذن الذي يعمل بالمسجد في منامه، وقال له: أذهب وانظر، لقد جاء ضيفٌ إلى منزلنا ولما قال له أكرمه، قال المؤذن: إنه ليس لدى ما أقدمه له، أخبره عبد الملك بأقداح السمن التى أهديت له وأمره أن يطبخ قطعة الذيل هذه مع الأرز الذي أهدى له ويجعلها يخنى وأن يكرم هذا الشخص الذي في المسجد وهدده قائلاً: إن لم تفعل ذلك فأنت عارف. بمجرد أن استيقظ المؤذن لم يحفل بهذا، ونام ثانية، فرأى تلك الرؤيا مرة ثانية ولما نام في الثالثة خُوِّف وأُرْعِبَ وأيقظته تلك الرؤيا، فنهض بعد ذلك وذهب إلى المسجد، وبعدها قال للدرويش الجالس في المسجد، أهلاً بك أيها الدرويش وقال له: ليس عندي شيء كيف أكرمك أيها الدرويش؟ فقال له: أذهب ونفذ ما قاله لك عبد الملك فى الرؤيا وأطبخ اللحم مع السمن مع الأرز وأجعلها يخنى كما أمرك وأحضرها وإلا سوف تلقى الضرر فركع المؤذن على قدم الشيخ وتاب، فأخذ بيده وضمه إلى الدراويش.

 

ومن كراماته أيضًا رضى الله عنه:

ما قاله شخص يسمى الحاج/ على كما يلي: كنت مسافرًا مع الشيخ الزاهد في سفينة ما، وفى تلك الأثناء لم أكن أعرف الشيخ شخصيًا، وانفجرت فى البحر عاصفة على فجأة وأصبحت السفينة على وشك الغرق، ولما رأيت تلك الحالة قلت لنفسى، أيها الشيخ بدلاً من الجلوس فى هذا الوقت في ركنك ألا تأتي وتكون سببًا لنجاتنا؟ فقام من مكانه وأخذ الدفة من يد البحار، وقال مخاطبًا: يا حاج على, تلك السفينة تستخدم هكذا, وقلت له أنا أيضًا "نعم" ووصلت سفينتنا سليمة إلى البر وخرج الناس من السفينة وخرجت أنا أيضًا معهم، وذهبت إلى جوار الشيخ وألقيت عليه السلام فقال: عليكم السلام، وقال بعد ذلك يا حاج على الأردبيلى, فقبلت يديه ولما سألته وكيف عرفتنى ومن أين عرفت اسمى؟ فرد على قائلاً: الذى يعرف ما بقلبك ألا يعرفك ويعرف اسمك؟

 

ومن كراماته أيضًا رضى الله عنه:

ما نقله شرف الدين على الوجه التالي:

أثناء ذهابى أنا وصديق لى إلي الشيخ/ على عادتى, وفى مرة من المرات لم نجد ما نهديه له، وفي طريقنا سرنا على ضفاف نهر جيلان، وفي تلك الأثناء فاض النهر وألقى على الساحل سمكة كبيرة، فأمسكنا بها على الفور وقررنا إهداءها للشيخ، ولما وصلنا للتكية أخذها الدراويش وطبخوها على الفور، وبالرغم من أننا أكلنا جميعًا من تلك السمكة شبعنا كلنا وقام الشيخ بالوعظ فينا ودعا لهم بالخير وتفضل حضرة الشيخ قائلاً: "إن الذين يريدون أن يتوجهوا إلى الشيخ كلية يجبهم الناس وتجلهم الأرض والسماء أيضًا".

 

ومن كراماته أيضًا رضى الله عنه:

ما جاء من طريق أحد الدراويش يسمى برد أحمد كالتالى:

في يوم ما عندما كنت أمر أنا والشيخ سويًا بين الحقول رآنا الفلاحون، وصاح بعضهم على البعض الآخر مستهزئًا: إن أعداء البيلاق يمرون (والبيلاق طعام من الأرز), من يعلم إلى أين يذهبون ليأكلوا البيلاق السمين, ولما قالوا الله يعلم ولكن ماذا يعملون في الصحراء المنعزلة، جاءت الغيرة الإلهية إلى الشيخ لو لم تكن عن هكذا لما أمرنا بالدعوة ‘إلى طريق الله وما كنا نظهر الهداية ورأيت رغبات النفس حقيرة ولو كنا من الشاكرين لله الحق فلنصب أرجلكم وبمجرد أن قال هذا أصاب هؤلاء الفلاحون الكساح وماتوا فى حزن وآلم، ورأى هذه الكرامة وعرفها كل الناس.

 

ومن كراماته أيضًا رضى الله عنه:

جاءت امرأة إلى حضرة الشيخ وهى دامعة وتوسلت له بكل الطرق ورجته أن يدعو لها وقالت له: يا سلطان العالمين ومرشد آدم ليس لدي فى هذه الدنيا بعد الله إلا ابنى، وأصابته علة وسقط مريضًا ولم يجد أحد حتى الآن حيلة لعلاجه وسبب مرضه, أنه عندما كان ينام ذات يوم تحت شجرة دخل ثعبان من فمه واستقر في معدته وأحيانًا يلدغه من قلبه فيسمه ويجعله مضطرب الحال، "ولن يكون هناك دواء إلا منك أنت", وكان يجلس في هذا المجلس الشيخ صفي الدين, خليفة الشيخ الزاهد وكلفه الشيخ بتحقيق رغبة هذه المرأة، وكان الشيخ صفى فى هذه الفترة شابًا يافعًا، فنادى الشيخ الزاهد على الشيخ صفى يحضر إلى مجلسه وقال اذهب وقل ما يلى: "يوجد أمر من الشيخ الزاهد فلتنسحب من هنا ولتذهب ولا تعود مرة ثانية" وأخبره كيف يبلغ هذا الأمر وسمع الناس المجاورين وامتلأ بيت المرأة بالناس وعلاهم الحيرة بمجرد تبليغ الشيخ صفى أمر الشيخ إبراهيم الزاهد للثعبان، خرجت الحية من فمه على الفور ولم ترها العين.

 

ومن مناقبه أيضًا رضى الله عنه:

قبل وفاته قال له بعض أصدقائه والدراويش المجاهدين له: يا سلطانى، منذ زمن طويل وأنت لم تضع لقمة من نعم الدنيا في فمك, ماذا جرى؟ فليتك تأكل بعض الأشياء, نخشى أن تكون مريضًا، ورجوه أن يأكل، فقال الشيخ الزاهد: لو طبخ بعض من اللحم الطيب فى الماء وعمل ثريد من هذا اللحم نستطيع أن نأكل, بالطبع وعلى الفور عمل ما يريد، وأحضروه إليه فأمر بدعوة الدراويش إلى مائدة الطعام وبدأوا بالأكل سويًا، ولما رأى بعض الدراويش أن الشيخ لا يأكل، قال: يا سلطانى، إنك لم تأكل شيء من الطعام، ألا تأكل شيئًا؟ فقال: وهل هناك سعادة غير رؤية أفواه مريديىَّ وهى تتحرك، وتوفى وهو على هذه الحالة فقبضت روحه وهو صائم.

 

 

وله من الخلفاء كثير نذكر منهم أربعة هم:

1-    الشيخ صفى الدين الأردبيلى واسمه إسحاق.

2-    العارف أخى يوسف الشروانى الخلوتى.

3-  العارف حكمت واسمه محمد على وكنيته أبو حكمت، الفقيه، لقبه: محى الدين.

4-   العارف أخى محمد وهو الذي قام مقامه, وهو فرع السادة الخلوتية.

 

رضوان الله تعالى عليهم أجمعين

 

وبـــ(((الخَلْوَتِىِّ الْشْيَخِ))) نَسْأَلُكَ الْرِضَا     *****     وَمِنْ عُمَرَ الْمَرْضِّى دَوِّرْ كُؤسَنَا