رجال الطريقة الخلوتية

عبد القاهر: أبو النجيب السُهرودى البكرى

سيدى العارف بالله تعالى/ أبو النَجِيبِ السُهرَوَرْدى

رضى الله عنه

هو: شجاع أرباب الإنابة، وأمير أصحاب الإجابة، وتنوير أهل الهداية، مقرئ أسرار الطاعة، ورد بستان الطريقة، أهل الولاية وردى أعنى به الشيخ أبو النجيب السهروردى قدس الله سره العزيز.

 

اسمه الشريف: عبد القاهر بن عبد الله بن محمد بن عمويه البكرى السُهْرَورْدِّى، بلقب ويكنى بـــ(ضياء الدين)، وأبو النجيب ولد فى (سُهْرَوَرْد) سنة تسعين وأربعمائة 490هـ, ثم قدم بغداد وتفقه بالمدارس النظامية على أساتذة كبار أمثال الشيخ أسعد المهيمن أحد شيوخ المدرسة النظامية وكان شافعي المذهب، فبرع في المذهب ثم اشتغل بالتصوف، فصاحب أئمة من أئمة التصوف أمثال عمه القاضى عمر بن محمد بن عمويه البكرى، والشيخ حماد الدباس, والشيخ أحمد الغزالى، أخى أبى حامد الغزالي.

 

        يظهر لنا من هذا أن شيخنا أبا النجيب له أكثر من سند فى التصوف وإليك سند هؤلاء المشايخ رضى الله عنهم.

 

السند الأول: أبو النجيب عن عمه أبو حفص عمر وجيه الدين عن والده محمد بن عمويه البكرى عن محمد الدينورى عن ممشاد الدينورى عن الإمام الجنيد بن الجيند بن محمد البغدادى..... إلخ السند, وهذا سند الخلوتية.

 

السند الثاني: أبو النجيب عن أحمد بن محمد الغزالى عن أبي بكر النساج عن أبى القاسم الكركانى عن أبى عثمان المغربى عن أبى علي الكاتب عن أبى علي الروذبادى عن الجنيد البغدادى.

 

السند الثالث: أبو النجيب بن حماد الدباس عن عبد القادر الكيلانى... إلخ، سنده السادة القادرية: الكيلانية.

السند الرابع: أبو النجيب عن أبى يعقوب يوسف الهمدانى عن أبى على الفارميدى عن أبى الحسن الخرقانى... إلخ سند السادة النقشبندية، رضى الله عن الجميع.

 

 

نعود مرة أخرى لشيخنا أبى النجيب السهروردى رضى الله عنه.

 

        اشتهر ذكره فى جميع الأقطار بالولاية والصلاح والعبادة والزهادة والتربية والسماح، وكان له هيبة في النفوس, وعليه وقار وناموس, يعظمه الناس وهو لا يعبأ بأمرهم, ولا يتلفت إلى شواظ نارهم ولهيب جمرهم، وكان ملوك العجم يهابونه بل يخدمونه، ورزق القبول التام بين الخاص والعام، وكان يحفظ (وسيط الواحدى)(وهو كتاب فى تفسير القرآن الكريم)عن ظهر قلب, وكان يسمع له دوى كدوى النحل, فقيل له فى ذلك قال: لى أثنا عشر مريدًا, أسأل لكل واحد منهم حاجة.

        وما أصاب مزيد دنيا، وكان على غاية التواضع، أخذ عنه الأكابر، كابن السمعانى وابن عساكر وابن أخيه شهاب الدين عمر السهروردى وقطب الدين الأبهرى، وعمار بن ياسر البتليسى، وخلق كثير، وقصد من كل قطر.

 

سلوكه طريق الصوفية وبلوغه الرتبة العلية:

بعد أن جاء له من الكريم المنان لدخول طريق أهل العرفان، طرق الأبواب وفتح له الباب، وتهيأت له الأسباب، فانعزل عن الناس، بعد أن أتم السلوك على أيدى أشياخ كبار توزن أقوالهم بالذهب المدرار كأمثال الشيخ وعمه وجيه الدين استكمل عنده السلوك، انعزل عن الناس وآثر الخلوة، وبقى في ابتداء أمره عدة سنين يسقى بالقربة على ظهره، ويتقوت ويقوت من عنده من مريديه، وكان له خربة يأوي إليها هو ورفقته حتى استفاضت كراماته واستبانت آياته، فبنى تلك الخربة رباطًا ومدرسة، وأفلح بسببه خلق كثير، وأملى مجالس، كما يظهر ذلك جليًا في كتاب(عوارف المعارف لابن أخيه عمر بن محمد بن عبد الله السهروردى), وصنف لغات– وأنفق في بدايته مجاهدات كثيرة، واجتمع بسادات شهيرة، وحكى عن نفسه وقال كنت أدخل على شيخى، وربما اعترانى بعض الفتور(كسل عن المجاهدة), فيقول: آراك دخلت عليك ظلمة, أ. هـ.

 

ويوصف بالصوفى القدوة، والواعظ العارف، والفقيه الشافعى، وإمام الشافعية وعلم الصوفية، الولى الشهير، والعارف بالله الخبير، ذى المقامات العلية، والأحوال السنية والأنفاس الصادقة، والكرامات الخارقة والتصانيف المفيدة الوثيقة فى الشريعة والحقيقة.

 

بعض من كلامه رضى الله عنه:

 

--- الأحوال معاملات القلوب، وهي ما يحل بها من صفاء الِأكدار وفوائد الحضور ومعانى المشاهدة. 

 

--- التصوف أوله علم, وأوسطه عمل, وآخره موهبة، فالعلم يكشف عن المراد، والعمل يعين على الطلب، والموهبة تبلغ غاية الأمل.

 

--- وقال: ويجتنب صحبة الأشرار، فقد قيل: مصاحبة الأشرار خطر ومن صاحبهم فقد بالغ فى الغرر، وقال: ويجتهد في مراعاة نفسه ومعرفة أخلاقها فإنها الأمارة بالسوء, ولا يغفل عنها وإن تناهي فى المعرفة، فإن النبى صلى الله عليه وسلم قال مراعيًا لها، ومستعيذًا بالله من شرها، وله فى غير ذلك من الأقوال المفيدة والحكم العظيمة، وله كتاب حافل يسمى (آداب المريدين).

 

بعض كرامات شيخنا أبى النجيب رضى الله عنه:

 

منها: ما يرويه الشيخ أبو محمد بن عبد الله بن مسعود المعروف بالرومى قال:

مررت مرة مع شيخنا أبي النجيب بالسوق السلطانى ببغداد، فنظر إلى شاة مسلوخة معلقة عند جزار، فوقف عنده وقال له: إن هذا الشاة تقول لى إنها ميتة، فغشى على الجزار، ثم تاب على يدى الشيخ وأقر بصحة قوله.

 

--- وعن الشيخ شهاب الدين السهروردى ابن أخى الشيخ أبى النجيب أنه قال: حضر عند الشيخ عبد القاهر ثلاثة نصارى وثلاثة يهود فعرض عليهم الإسلام فامتنعوا، فوضع فى فم كل واحد لقمة من لبن فأسلموا وقالوا لما خالط اللبن بواطننا نسخ ما كان غير الإسلام، فقال أبو النجيب: وعزة المعبود ما أسلمتم حتى أسلمت شياطينكم على يدى، وإنى استوهبتكم من الله.

 

بعض خلفاء الشيخ أبي النجيب رضى الله عنه:

 

له من الخلفاء الكثير ، ولكن أذكر منهم:

الأول: عمر السهروردى.

الثانى: عمار بن ياسر البتليسى.

الثالث: روزبهان الكبير المصرى.

الرابع: قطب الدين الأبهرى، وهو فرع السادة الخلوتية أمدهم الله بالإمدادات الألهية.

 

وفاة شيخنا أبى النجيب رضى الله عنه.

توفى شيخنا أبو النجيب ببغداد وقت عصر الجمعة سابع عشر جمادي الآخرة 563 هـ, ودفن يوم السبت فى رباطة على شاطئ دجلة, وقبره ظاهر يزار وقيل 589هـ, والأول أصح.

 

رضوان الله تعالى عليهم أجمعين

 

                   وبِالْسُهْرَوَرْدِىِّ الْعَظِيمِ مَقَامُهُ   ***  وبــــــ(((ِالأَبْهَرِىِّ القُطْبِ))) قَوِّمْ أُمُورَنَا