Sam Eldin فضيلة شيخنا
الطاهر محمد أحمد الطاهر الحامدى

Alshak Altaher
تأملات فى السيرة

تأملات فى السيرة

عفوٌ كريم من نبيٍّ كريم

لفضيلة الشيخ/ الطاهر الحامدى

 

أيُّها القارئُ الكريم قلتُ لَكَ أنّ النبىَّ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ أهدَرَ دمَ جماعة عندَ دخولِهِ مكةَ وأنَّهُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ عَفا عن بعضِهم وأودُّ أنْ أذكُرَ لَكَ بعضَ منْ عفَا عنهُم رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلم وأسبابَ العفو فأذكُرَ لك منهم عِكْرِمَة بن أبى جَهل رضى الله عنه ويروى أنّه لمّا سمِعَ بدخول النبى صلى الله عليه وسلم مكة وبلغه أنّ النبى صلى الله عليه وسلم أهدرَ دمه خرج هارباً من مكة ناحية البحر قيلَ إنّه عزمَ أن يُلقى بنفسه فى البحر وقيل إنّه عزم أن يهربَ إلى اليمن وكانت إمرأته ـ أم حكيم بنت الحارث بن هشام المخزومية ابنة عم عكرمة ـ ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع نسوة من أهل مكة وأسلمت على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أخذت الأمان لزوجها عكرمة وقالت له ـ فيما روى عنها ـ : (يا رسول الله إنّ ابن عمك عكرمة خرج هارباً من مكة ليلقى نفسه فى البحر فأمِّنْهُ يا رسول الله). فأمّنه النبى صلى الله عليه وسلم فخرجت ومعها فتىً رومىّ يخدمها ويروى أنّ الرومى راودها عن نفسها فكانت تُأمِّلُه حتى وصلت إلى قومٍ يعرفونها فتركته عندهم وذهبت تعدوا إلى زوجها عكرمة حتى أدركته وصاحت به ونادت عليه أنْ أقبل يا ابن عم ولا تخف قد جئتك من عند أكرم الناس وأبر الناس وأوصل الناس فقد أخذت لك الأمان من رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمِعَ كلامَها ورجع‘ ويروى أنّه ركب السفينة مهاجراً إلى اليمن   فأصابتهم ريحٌ عاصف فقال أصحاب السفينة للركب أخلصوا فإنّ آلهتكم لا تغنى عنكم شيئأ هاهنا فقال عكرمة: لإن لم ينجنى فى البحر إلا الإخلاص ما ينجنى فى البر غيره اللهم إنّ لك علىّ عهدٌ إن أنت عافيتنى مما أنا فيه آتى محمداً فأضع يدى فى يده فلأجدنه عفواً كريماً. وهنا سمِعَ نداء أم حكيم زوجتُهُ وأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمَّنهُ فرجع وعادَ معها.

ويروى إنّهُ فى طريق عودته أرادَ أنْ يعاشرها فأبت عليه وقالت له: (إنّى أسلمتُ وأنت رجل مشرك) فعجب من هذا الدين وهذه القوة الإيمانية التى تمنع إمرأة أن تستجيب لزوجها وقال: (إنّ أمراً منعك منى لأمرٌ كبير)‘ ثم حكت له ما لقيت من غلامها الرومىّ فقتله عكرمة قبل أنْ يُسْلِم‘ ولمّا رأى النبى صلى الله عليه وسلم عكرمة وثبَ إليه فرحاً فقال عكرمة وهو بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوجته منتقبة إلى جواره قال: (يا رسول الله إن هذه أخبرتنى إنّكَ أمَّنتنى؟). فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صَدَقَتْ فأنت آمن)) قال عكرمة: (إلامَ تدعو يا محمد؟) قال صلى الله عليه وسلم: ((أدعوكَ أن تقول أشهد أن لا إله إلا الله وأنى رسول الله وأن تقيم الصلاة وتؤتى الزكاة))وعددّ له خصال الإسلام كلها. فقال عكرمة: (والله مادعوتَ إلا إلى الحق وأمرٍ حسن جميل‘ قد كنت والله فينا أصدقنا حديثاً وأكثرنا براً وأوصلنا رحماً) ثم قال عكرمة :(فإنّى أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) فَسُرَّ بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال عكرمة :( ثم ماذا يا رسول الله؟) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تقول أُشهِدُ الله وأشهِدُ من حضرَ أنى مسلمٌ مجاهد)) فقال عكرمة ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تسألنى اليوم شيئاً أعطيتُه أحداً إلا أعطيتُكَهُ) فقال عكرمة: ( فإنى أسألك أن تغفرَ لى كلَّ عداوة عاديتكها أو مسير وضعتُ فيه أو مقامٍ لاقيتك فيه أو كلام قلته فى وجهك أو أنت غائب عنه ) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اللهم أغفر له كل عداوة عاداينها وكل مسيرٍ سارَ فيه إلى موضع يريد بذلك المسير إطفاء نورك فاغفر له ما نالَ منى من عرضٍ فى وجهى أو انا غائبٌ عنه)) فقال عكرمة: (رضيت يا رسول الله والله لا أدع نفقة كنت قد أنفقتها فى صدٍ عن سبيل الله إلا أنفقتُ ضعفُها فى سبيل الله ولا قتالٍ كنت أقاتله فى صدٍ عن سبيل الله إلا أبليتُ ضعفه فى سبيل الله) وصدق عكرمة واجتهد فى القتال حتى قتل شهيداً فى قتال اليرموك وبعد أن أسلم ردّ رسول الله صلى الله عليه وسلم إمرأته إليه.

أخرج أبن عساكر قال لمّا قدمَ عكرمة بن ابى جهل المدينة اجتمع الناسُ يقولون هذا ابن أبى جهل هذا ابن ابى جهل ويذكرونَ سوءآت ابى جهل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تؤذوا الأحياء بسب الأموات)) ويروى إنّ عكرمة بن أبى جهل رضى الله عنه لمْ يُعْرَف له ذنب بعد إسلامه وكان يُقَبِّل المصحف ويبكى ويقول: (كلمات ربى كلمات ربى) رضى الله عنه أمّا ثانى من أمَّنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فهى إمرأة لكنَّها ليست ككل النساء إنَّها إمرأة لها تاريخٌ و رأىٌ فى الجاهلية وفى الإسلام وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: ((الناس معادن كمعادن الذهب والفضة خيارهم فى الجاهلية خيارهم فى الإسلام إذا فَقِهوا)) ‘وهند بنت عتبة كانت من خيار الناس ‘وأسلمت بعد فتح مكة وتروى عنها ولها حكاياتٌ وقصصٌ تدلُّ على ذلك فليست هى إمرأة مهملة إنما هى لها رأىٌ وشخصية فمما يروى لها فى الجاهلية أنها كانت تحت الفاكه بن المغيرة المخزومى وكان الفاكه من فتيانِ قريش وكان له بيت للضيافة يغشاه الناسُ دون إذن فخلا ذلك البيت يوماً فإضجع الفاكه وهندٌ فيه ثم خرج الفاكه لبعض حاجته واقبل رجلٌ ممن كان يغشى الدار فلمّا رأى المرأة ولَّى هارباً وأبصر الفاكه الرجل وهو خارج من البيت فرابه  شىء فأقبل إلى هند فضربها برجله وقال: (من هذا الذى كان عندك؟) قالت: (ما رأيت أحداً ولا انتبهت حتى نبَّهتنى). فقال لها: (الحقى بأبيك)!‘ وتكلم فيها الناس فقال لها أبوها: (يا بنيّه إن الناس قد أكثروا فيك فأنبئينى نبأك؟ فإن يكن الرجل صادقاً دسست إليه من يقتله فتنقطع عنك مقالة الناس وإن يكن كاذباً حاكمته إلى بعض كهَّان اليمن) ‘فحلفت له إنه لكاذب فقال أبوها للفاكه: (يا هذا إنك قد رميت إبنتى بأمر عظيم فحاكمنى إلى بعض كهان اليمن) ويروى أن الفاكه خرج فى جماعة من بنى مخزوم وخرج عتبة فى جماعة من بنى عبد مناف وخرجت معهم هند ونسوة من قومها فلمّا قاربوا بلاد اليمن قالوا: (غداً نرِدُ على الكاهن) ‘ فتنكرت هند وتغير وجهها فقال لها أبوها: (إنّى أرى ما بكِ من تنكر الحال وما ذاكَ إلا لمكروه؟ ولم يكن ذلك قبل أن يشتهر للناس مسيرنا؟) قالت فى ذكاءٍ فطرى يدل على فطنتها وإعتزازها بنفسها: (والله يا أبتِ ما ذاك لمكروه ولكنى أعرف أنكم تأتون بشراً يخطىء ويُصيب ولا آمنُهُ أنْ يسِمَنى بشرٍ يكونُ علىَّ سبةٌ فى العرب!!) فقال لها أبوها: (إنى سوف أختبره قبل أن ينظُرَ فى أمرك) فلمّا وردوا على الكاهن أكرمهم ونحر لهم فلما قعدوا قال عتبة للكاهن يختبره: (إنّا قد جئناك فى أمرٍ وإن قد خبأت لك خبيئة فخبرنى ما هى؟) فأخبره الكاهن فقال له:( صدقت انظر فى أمر هؤلاء النسوة ) فجعل الكاهن يدنو من إحداهن فيضرب كتفها ويقول:(انهضى حتى دنى من هند فقال انهضى غيرَ قبيحة ولا زانية ولتلدينّ ولداً يكون ملكاً) فوثب إليها الفاكه زوجها فأخذ بيدها فنزعت يدها من يده وقالت: (إليك عنى فوالله لأحرصنّ على أن يكون هذا الولد من غيرك) فتزوّجها أبو سفيان وولدت معاوية.

أنا لا أصدقُ هذه القصةَ ولا أصدقُ الكُهّانَ ولا أميلُ إلى الذينَ يلعبونَ بعواطِفِ الناسِ ومهما يكن منْ أمر إن هذه الحكاية تدلُّ على حصافة هند وقوة شخصيَّتها وإعتزازها بنفسها ومما يروى فى هذا الشأن ويدلُ على شخصية هند أنها كانت تحت عتبة بن ربيعة ومات عنها أو فارقها فقالت لأبيها: (إنك قد زوّجتنى ولم تُشاورْنى فإذا أردتَ شيئاً فشاورنى) فهذا يدُلُ على رجاحة العقل وقوة الشخصية وحسن الأدب. ‘فخطبها كلٌ من أبى سفيان بن حرب وسُهَيل بن عمرو فقالت لأبيها (صفهما لى) فقال: (أمّا سُهيل رجل تقضين عليه فى أهله وماله أمّا أبو سفيان فرجل شرس لا تتكلمين إلا نهاك ولا تخالفينه إلا ضربك) قالت: (زوجنى من أبى سفيان فإن أتى منه ولد فيكون سيداً أما سُهيل فإن أتى منه ولد فلا يكون إلا أحمق) فتزوجت أبا سفيان وولدت منه معاوية وتزوج سهيل إمرأة فولدت له غلاماً فمرّ ذات يوم مع أبيه برجل يقود ناقة وشاه فقال لأبيه:هذه بنت هذه فقال أبوه:(رحم الله هنداً) وتروى عنها ولها حكاياتٌ كلُّها تدورُ وتَحْكِى عن قوة شخصيتها وذكائها وجمالها ويروى عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: ((رأيتُ هنداً بمكة كأن وجهها فلقة قمر وعجيزتها من خلفها مثل الرجل الجالس ومعها صبىٌ يلعب فمر رجل فنظر إليه فقال: (إنى أرى غلاماً إن عاش ليسودنَّ قومه) فقالت هند (إن لم يسد إلاقومه أماته الله) ومن طريف ما يحكى عنها أن أبا سفيان سافر سفراً أضرّتْ به فيه الغُربة فاشترى جارية فبلغ ذلك هنداً فغضبت منه ووجدت عليه ويروى أنها أنشدت:

يا قليل الوفــاء أما كـــــان فيما    كان منا إليك ما ترعانا

كيف يبقى لك الجديد من الناسِ    إذا كنت تطرح الخلقانة (القديمة)

ومما يروى لهند - لمّا أراد الله هدايتها ودخولها فى الإسلام - عن معاوية ولدها ابن أبى سفيان قال:((سمعت أمى هند بنت عتبة وهى تذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم تقول: (فعلتُ يوم أُحد ما فعلت من المُثلة بعمه وأصحابه وكلما سارت قريشٌ مسيرة فأنا معها بنفسى حتى رأيت فى النوم ثلاث ليالٍ كأنى فى ظلمة لا أبصر فيها سهلاً ولا جبلاً وأرى كأن تلك الظلمة أنفرجت عنى بضوء فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعونى ثم رأيت فى الليلة الثانية كأنى على طريق فإذا بهُبل على يمينى يدعونى وإذا بإساف عن يسارى يدعونى وإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين يدى يدعونى قال تعالَىْ هلمَّ إلى الطريق ثم رأيت فى الليلة الثالثة كأنى واقفة على شفير جهنم يريدون أن يدفعونى فيها فإذا أنا بهبل يقول ادخلى فيها فالتفت فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم من ورائى آخذاً بثيابى فتباعدتُ عن شفير جهنم وفزعت.‘ فقلت هذا شئٌ قد بُيِّنَ لى فغدوت إلى صنمٌ فى بيتنا فحطمته وقلت طالما كنت منك فى غرور وأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبايعتُهُ وأسلمتُ)).

ويروى إنه لمّا كان يوم الفتح أسلمت هند بنت عتبة ومعها أم حكيم زوجة عكرمة بن أبى جهل وإمرأة صفوان بن أمية وفاطمة بنت الوليد بن المغيرة وهند بنت مُنَبِّه ابن الحجاج فى عَشْرِ نسوة من قريش فأتين رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالأبطح فدخلنّ عليه وعنده زوجتاه وابنته فاطمة ونساءٌ من بنى عبد المطلب فتكلّمت هند بنت عتبة فقالت: (يا رسول الله الحمد لله الذى أظهر الدين الذى اختار لنفسه وأرجو أن تشملنى رحمتك يا محمد إنى إمرأة مؤمنة بالله مصدقة) ثم كشفت عن نقابها فقالت: (أنا هند بنت عتبة) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مرحباً بك)) فقالت: (والله يا رسول الله ما كان على الأرض من أهل خِباءٍ أحب إلىّ من أن يذلُّ من أهل خبائك ولقد أصبحت ما على وجه الأرض من أهل خباءٍ أحب إلىّ أن يعزّوا من أهل خبائك) ثم قرأ صلى الله عليه وسلم عليهن القرآن فقالت هند: ( يارسول الله نُماسحك ـ يعنى نمسح بأيدينا على يدك؟) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنى لاأصافح النساء)) ويقال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع على يده ثوباً ثم مَسحْنَّ على يده ويقال إنه كان يؤتى بقدح من ماء فيدخل يده فيه فيدخلن أيديهن فيه.

ويروى أن نسوة أتين النبى صلى الله عليه وسلم فيهن هند بنت عتبة يبايعنه فلما أن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تشركن بالله شيئاً ولا تسرقن)) قالت هند: (يارسول الله إن أبا سفيان رجل مِسّيِك ـ أى بخيل ـ فهل علىّ حرج أن أصيب من طعامه من غير إذنه؟) فرخّص لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ولا تزنين)) فقالت هند: (أوتزنى الحرة يا رسول الله؟) ثم قال: ((ولا تقتلن أولادكن)) قالت: (يا رسول الله ربيناهم صغاراً وقتلتوهم كباراً) فضحك سيدنا عمر حتى استغرق. ثم قال صلى الله عليه وسلم: ((ولا تأتين ببهتانٍ تفتريينه بين أيديَّكن وأرجُلِكُن)) قالت هند: (والله إن البهتانَ لشىءٌ قبيح ولبعض التجاوز أمثل وما أمرتنا إلا بالرَشَدِ ومكارمِ الأخلاق) ومن طريف ما يروى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لهند يوم الفتح: ((كيف ترين الاسلام؟)) قالت: (بأبى وأمى ما أحسنه لولا ثلاث خصال التجبية ـ وهو الركوع مع وضع اليدين على الركبتين ـ والخمار وزَقْو ـ أى صياح ـ هذا العبد الأسود فوق الكعبة) فقال صلى الله عليه وسلم: ((أما قولك التجبية فلا صلاة إلا بركوع وأما زَقْو هذا العبد الأسود فوق الكعبة فنعم عبد الله هو وأما الخمار فأى شىء أستر من الخمار؟)) فأجابت بكلمة تنبىءُ عن مكر النساء ودعابتهن المحببة: (إنى كنت أُحِبُ أن تُعرفَ الفرعاء من الزعراءِ ـ وهى قليلة الشعر من النساء) وكانت هند إمرأة ذات شعر رضى الله عنها وأرضاها وجزاها عن كل النساء خيراً.

أما ثالتُ من أردتُ أنْ أتحدث عنه فهو سيدنا وحشى قاتلُ سيد الشهداء سيدنا حمزة بن عبدالمطلب وكم يقشعرُ بدنى كلما أسمع اسمه واذكر ما فعله بسيد الشهداء وأذكُرُ قول النبى صلى الله عليه وسلم له لما جاءه مسلماً: ((فهل تستطيعُ أن تُغَيِّبَ وجهَكَ عنى؟)) ما أرحمك يا رسول الله وأسمى عاطفتك؟ لكنّى لا أحبُ أنْ أنهى حديثى عن هؤلاء قبل أن أذكر لك قصة إسلام سيدنا وحشى وحواره مع النبى صلى الله عليه وسلم ورحابة صدره الشريف وحرصه على اسلام الناس. ويروى أن وحشى كتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فى مكة: (إنى أريد أن أسلم ولم يمنعنى من الإسلام الا أية من القرآن نزلت عليك وهى قوله تعالى: " والذين لا يدعون مع الله إله آخر ولا يقتلون النفس التى حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما" وإنى قد فعلت هذه الأشياء الثلاثة فهل لى من توبة؟) فنزلت هذه الآية: ((إلا من تاب وآمن وعمل صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات)) فكتب بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وحشى فكتب إليه وحشى يقول: (إن فى الآية شرطاً وهو العمل الصالح ولا أدرى هل أقدر عليه أم لا؟) فنزل قوله تعالى: ((إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء)) فكتب بذلك إلى وحشى فكتب إليه وحشى يقول: (إن فى الآية شرطاً ولا أدرى أيشاء أن يغفر لى أم لا؟) فنزل قول الله تعالى: ((قل يا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم)) فكتب بذلك إلى وحشى فلم يجد فيها شرطاً فقدم المدينة وأسلم فقال النبى صلى الله عليه وسلم قولته: ((فهل تستطيع أن تُغَيِّبَ وجهك عنى؟)) اللهم تقبل توبتنا على ما كان منا مما تعلمه أنت ولا يعلمه غيرك وسترتنا فيه فى الدنيا فلا تفضحنا فى الآخرة. آمين..آمين..آمين يارب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد النبى الامى وعلى آله وصحبه وسلم.