Sam Eldin فضيلة شيخنا
الطاهر محمد أحمد الطاهر الحامدى

Alshak Altaher
تأملات فى السيرة

تأملات فى السيرة

الفتح الأعظم وطبائع الاستبداد

لفضيلة الشيخ/ الطاهر الحامدى

قد يثير تساؤلك-أيها القارئ الكريم- هذا العنوان وما ذلك قصدت لكن همى ونحن نعيش فى ما يسمى زوراً الربيع العربى وهو فى الواقع النكبة العربية الكبرى وما قولنا (الربيع العربى) إلا خدعة رديئة أو قل إن شئت  طعماً مخدراً انخدع به العالم العربى شعوباً ونخباً وأكثر النخب ازدَرَدَ هذا الطعم طواعية مخدوعاً أو متطفلاً ومتطلعاً فى عطايا ومنح المتآمرين. وأكثر الشعوب مخدوعاً يصدق عليه قول شوقى فى قصيدته المشهورة "مصرع كليوباترا":-

اسمع الشعب ( ديون) كيف يوحون إليه

ملأ الجو هتافا بحياة قاتليه

أثر البهتان فيه وانطلى الزور عليه

ياله من ببغاء عقله فى أذنيه

 

اقول إن طبائع الإستبداد واحدة لاتكاد تختلف هى..هى فى كل زمان ومكان فمن أهم ما تتماثل فيه الشره والطمع إلى السلب والنهب بلا مراعاة لأى أخلاق أوعهود أومواثيق فالمعول عليه أولاً وأخيرا هو قدرتها على السلب ليس إلا، أما أصحاب المبادئ والمثل فلهم شأن آخر لا يعرفه هؤلاء المستبدون والطامعون.

كان لابد من هذه المقدمة قبل أن أحدثك عن الفتح الأعظم وكيف كان وكيف ولماذا بدأ. بدأ كما هو معروف من خلق النبي صلى الله عليه وسلم وكما هو مدون وثابت في كتب الصحاح من السنة الشريفة ومراجع السيرة المعتمدة كان دفاعا عن الحق ونصرة لمظلوم أغار عليه قوم اهتبلوا فرصة الهدنة التي اقرها صلح الحديبية وشاركهم وآذرهم في الغدر قريش وأهل مكة جميعا. تروي كتب السنة أنه كان بين بنو بكر وخزاعة سجال في الجاهلية ودم وظلوا على ذلك مدة طويلة حتى بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فحجز الإسلام بينهم وتشاغل الناس بالإسلام وبنوبكر وخزاعة على ماهم عليه من العداوة في أنفسهم فلما كان صلح الحديبية بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش وكان من شروطه أن من أحب أن يدخل فى حلف رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل فيه ومن أراد أن يدخل فى حلف قريش فليدخل, فدخلت خزاعة فى حلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت خزاعة حلفاء عبد المطلب بن هاشم جد النبى صلى الله عليه وسلم وكان النبى صلى الله عليه وسلم عارفاً بذلك ولقد جائته يوماً خزاعة بكتابِ جده عبد المطلب فقرأه عليه أُبى بن كعب رضى الله عنه ونصه ـ كما ورد فى كتب السيرة ـ : ((بسمك اللهم هذا حلف عبد المطلب بن هاشم لخزاعة. إذ قَدِمَ عليه سرواتهم ـ أى عظماؤهم وأهل الرأى فيهم ـ غائبهم مقرٌ على بما قاضى عليه شاهدُهم, إنَّ بيننا وبينكم عهود الله وعقوده وما لا ينسى أبداً, اليدُ واحدة والنصر واحد ما أشرفَ ثبير ـ جبل بمكة ـ وثبت حراء مكانه, وما بلَّ بحرٌ صوفه, ولا يزداد ما بيننا وبينكم إلا تجدداً أبد الدهر سرمدا)) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما أعرفنى بخلقكم وأنت على ما أسلمتم عليه من الحلف.,فكلُ حلفٍ فى الجاهلية فلا يزيده الأسلام إلا شدة ولا حلف فى الإسلام)), فلمّا كانت قرابة السنتين بعد صلح الحديبية كلَّمَ بنو بكرٍ ومن معهم أشرافَ قريش أن يعينوهم بالرجال والسلاح على عدوهم خزاعة وذكّروهم القتلى الذين أصابت خزاعة منهم, وأرادوا أن يصيبوا منهم ثأر أولئك النفر الذين أصابوا منهم, وناشدوهم بأرحامهم وأخبروهم بدخولهم فى عقدهم وعدم الإسلام وأن خزاعة دخلت فى عقد محمدٍ وعهده فوجدوا أنّ القومَ من قريش إلا إلى ذلك سراعاً إلا أنّ أبى سفيان بن حرب لم يُشاور فى ذلك ولم يعلم. ويُقالُ إنهم ذآكروه فأبى ذلك, فأعانت قريش بالسلاح والرجال سراً لأللا تحذرَ خُزاعة, وخزاعةُ آمنون وادعون ولما حجز الإسلامَ بينهم.

 ثم تواعدت قريش وبنو بكرٍ ومن معهم فى مكانٍ أسفل مكة وهو قريبٌ من منازل خزاعة فجاء فى الميعاد رجال من كبارقريش متنكرون منتقبون منهم صفوان بن أمية وعكرمة بن أبى جهل وحويطب بن عبد العزى وشيبة بن عثمان وآخرين فبيَّتوا خزاعة ليلاً وهم غارون آمنون وأكثرهم صبيان ونساء وضُعفاء الرجال فلم يزالوا يقتلونهم حتى إنتهوا إلى أنصاب الحرم فقال رجال منهم لنوفل بن معاوية من بني بكر يحذرونه من التمادي في القتل وقالوا له إلهك إلهك قد دخلت الحرم ينبهونه بذلك إلى أنه قد دخل منطقة محرمة لا يصح فيها القتال فقال وقد تملكه الحقد والغضب حتى أعمى بصره وبصيرته فقال (لا إله لي اليوم) ثم نادى في قومه كأنه يوبخهم ويعرض بهم لأنهم يرتكبون ما أشنع في نظره مما فعل من القتل في بني خزاعة قال: لعمري يا بني بكر إنكم لتسرقون الحاج في الحرم أفلا تدركون ثأركم من عدوكم فلا يتأخر أحد منكم بعد يومه عن ثأره. فلما انتهت خزاعة إلى الحرم وهم فارون من القتل دخلوا دار بديل بن ورقاء ودخلوا دار مولى له يقال له رافع انتهوا بهم في عماية الصبح ودخلت رؤساء قريش منازلهم وهم يظنون أنه لم يعرفهم أحد وأن شنيعهم هذا لا يبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصبحت خزاعة - ياللويل-  مُقَتلين.

قال سهيل بن عمرو لنوفل بن الحرث وهو من زعماء الغدر من قريش قال له صهيب : قد رأيت الذي صنعنا بك وبأصحابك ومن قتلت من القوم وأنت قد حصدتهم تريد قتل من بقي وهذا ما لا نطاوعك عليه فاتركهم. فتركهم فخرجوا وندمت قريش ندموا على ما صنعوا , وعرفوا أن هذا الذي صنعوه نقض للذمة والعهد الذي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وجاء الحارث بن هشام وعبد الله بن أبي ربيعة وإلى سهيل بن عمرو عكرمة بن أبي جهل فلاموه بما صنعوا من عونهم بني بكر على خزاعة وقالوا : ( إن بينكم وبين محمد مدة وهذا نقض لها) يعني أن هذا اعتداء على رسول الله صلى الله عليه وسلم يستوجب القصاص والردع باعترافهم هم.

أذكر أيها القارئ الكريم أبياتا لسراقة بن مالك وهو من خرج يوم الهجرة يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيدنا أبابكر الصديق رضي الله عنه ولما اقترب منهما ساخت أقدام فرسه في الأرض فاستغاث برسول الله صلى الله عليه وسلم فنهضت فرسه ويعود للمتابعة خلفهما وتسوخ أقدام فرسه في الأرض هكذا ثلاثا فرجع فلقيه عمرو بن هشام وهو أبوجهل فلامه وعنفه لأنه ترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم- دون أن يمسه بسوء فهتف قائلا يرد عليه بهذه الأبيات

(أبا حكم والله لو أنت عالم بأمر جوادي إذ تسوخ قوائمه

            علمت ولم تشكك بأن محمدا رسول ببرهان فمن ذا يقاومه)

صدقت يا سراقة إنه رسول ببرهان فمن ذا يقاومه.، أعتقد أنه لا يسوغ لعاقل منصف بعد أن اعترفت قريش بأنها نقضت عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنها هي المعتدية وأنها هي الأثمة وأن ما فعلته يستوجب عقابا غليظا ليس فيه تردد ولا هوادة وليت المستشرقين الآثمين الزاعمين بأن الإسلام قد انتشر بالسيف وأنه هو البادئ بالعدوان ليتهم يفيئون إلى ظلال النبوة الوارف يدققون في سيرته الشريفة وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبدأ بعدوان ولم يبدأ بقتال ولم يكن راغبا فيه في يوم من الأيام إنما دخل القتال وهو كاره له كما قال الله سبحانه وتعالى(كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون)البقرة آية 216 .

روى الطبراني في الكبير عن ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بات عندها ليلة فقام يتوضأ للصلاة فسمعته يقول في متوضئه( لبيك لبيك لبيك-ثلاثا- نصرت نصرت نصرت-ثلاثا-) فلما خرج قلت : يارسول الله , سمعتك تقول في متوضئك (لبيك لبيك - ثلاثا- نصرت نصر ثلاثا) كأنك تكلم إنسانا فهل كان معك أحد قال: ( هذا راجز - شاعر يقول الرجز- بني كعب يستصرخني ويزعم أن قريشا أعانت عليهم بكر بن وائل ) تقول ميمونة رضي الله عنها فأقمنا ثلاثا ثم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح فسمعت الراجز-في المسجد- يقول

 

 يارب إني ناشد محمدا

              حلف أبينا وأبيه الأتلدا

إن قريشا أخلفوك الموعدا

            ونقضوا ميثاقك المؤكدا

هم بيتونا بالوتير هجدا

         وقتلونا ركعا وسجدا

ادع عباد الله يأتوا مددا

        فيهم رسول الله قد تجردا

 

وفي رواية أخرى عن الصديقة بنت الصديق رضي الله عنها أم المؤمنين عائشة أن رسول الله صلى اله عليه وسلم قال لها صبيحة الواقعة : ( يا عائشة لقد حدث في خزاعة أمر فقالت عائشة- وقد أدركت بفطنتها أن العهد الذي بين خزاعة وهم أحلاف النبي صلى الله عليه وسلم لابد أن قريشا قد نقضته- يا رسول الله أترى أن قريشا تجترئ على نقض العهد الذي بينك وبينهم وقد أفناهم السيف؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - كلمة ترى مسبب الأسباب ولا تقيم وزنا للأسباب- ينقضون العهد لأمر يريده الله تعالى - أي أن هذا الفعل توطئة لما بعده مما يريده الله تعالى- فقالت عائشة : خير يا رسول الله أم شر؟ قال : خير - إن شاء الله-) لا أقول أرجوا المنصفين أن يتأملوا هذا الكلام من رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن كل منصف يكفيه ما في قلبه وعقله من روية وإنصاف لكني أرجوا الطاعنين المتربصين بالمسلمين اليوم وغدا أن يتأملوا هذا الكلام حتى يبرؤا من حقدهم على الإسلام وأهله، ومما يروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيما قال بعد أن سمع رجز الراجز : ( نصرت يا عمرو بن سالم ) فلم يلبث أن مرت سحابة فرعدت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن هذه السحابة لتستهل بنصر بني كعب وتقول عائشة رضي الله عنها رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم غضب مما كان في شأن بني كعب غضبا لم أره غضبه منذ زمان وقال :( لا نصرني الله إن لم أنصر بني كعب).

تروي كتب السنة أن قريشا ندمت على عون بني نفاثة واشتراكهم في قتل بني خزاعة وقالوا وهم نادمون : إن محمدا غازينا. فقال عبدالله بن أبي سرح إن عندي رأيا إن محمدا لن يغزوكم حتى يعذر إليكم - يعني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لن يغير على قريش غدرا رغم ما ارتكبوه من مؤازرة أعدائه على حلفائه فإنه صلى الله عليه وسلم لن يبدأ بالغزو غدرا.. تأمل ثقة أعدائه في خلقه صلى الله عليه وسلم رغم نقضهم للعهد وخيانتهم بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لن يهجم عليهم غدرا لكنه كأنبل فارس لابد أن ينذرهم أولا. ياليت المرجفين يعرفون ذلك وليتهم يكفوا عن الإتهام بالباطل وهم يعلمون الحق من أخلاقه صلى الله عليه وسلم- ويكمل بن أبي السرح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سوف يخيرهم بين خصال كلها أهون عليهم من غزوه فقالوا لابن أبي السرح ما هي تلك الخصال؟ قال يرسل إليكم أن أدوا دية قتلى خزاعة أو تبرؤا من حلف من نقض الصلح وهم بنوا نُفاثة من بني بكر أو ينبذ إليكم على سواء؟ فقال القوم أحري بما قال بن أبي السرح فقال سهيل بن عمرو ما خلة أهون علينا من أن نبرأ من حلف بني نُفاثة فقال له شيبة العبدري حفظت أخوالك وغضبت لهم فقال صهيل أي قرشي لم تلده خزاعه؟ فقال شيبة ولكن ندي قتلى خزاعة هو أهون علينا فرد رجل من القوم فقال لا والله لا نؤدي دية ولا نبرأ من حلف بني نفاثة ولكنا ننبذ إليه على سواء فقال أبو سفيان : ليس هذا بشئ وما الرأي إلا جحد هذا الأمر أن تكون قريش دخلت في نقض عهد أو قطع مدة فإن قطعه قوم بغير رضا منا ولا مشورة فما علينا. قالوا : هذا الرأي لا رأي غيره. روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  لما وصل إليه ركب خزاعة وأخبروه ما وقع لهم قال لهم من تظنون وتتهمون أنه فعل بكم هذا قالوا بنو بكر قال أكل بني بكر قالوا لا ولكن بنو نفاثة ورأسهم نوفل بن معاوية النفاثي قال هذا بطن من بطون بني بكر وأنا باعث إلى أهل مكة فسائلهم عن هذا الأمر ومخيرهم بين أمور ثلاث أن يدفعوا دية قتلى خزاعة أو أن يبرؤا من حلف بني نفاثة أو أن ينبذ إليهم على سواء فقالت قريش أما أن ندفع دية بنو (خزاعة) فإنهم قوم فيهم شدة وشراسة فلا ندفع ديتهم حتى لا يبقى لنا سبد ولا لبد وأما أن نتبرأ من حلف بنو نفاثة فإنه لا توجد قبيلة في العرب تحج هذا البيت أشد تعظيما له من نفاثة وهم حلفاؤنا فلا نبرأ من حلفهم ولكن ننبذ إليه على سواء فندمت قريش على ردهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأت أن تبعث أبا سفيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأطلع الله سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم على ما رأت قريش  وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه فقال لهم :( لكأنكم بأبي سفيان جاء يقول جدد العهد وزد في الهدنة .، وهو راجع بسخطه) وكان نفر من سادة قريش مشوا إلى أبي سفيان وقالوا له هذا أمر لابد له من أن يُصلح والله لئن لم يُصلح هذا الأمر لا يروعكم إلا محمد في أصحابه فقال أبو سفيان لقد رأت هند بنت عتبة رؤيا كَرِهَتْهَا وأفزعتها وخِفتُ من شرها قالوا وما هي ؟ قال رأت دما أقبل من الحَجُون حتى وصل إلى قريب من الحرم فكره القوم الرؤيا فقال أبو سفيان لما رأى من الشر ما رأى قال وكأنه يبرأ نفسه مما آلت إليه الأمور قال :- هذا أمر لم أشهده ولم أغب عنه1 لا يحمل هذا إلا علي . فلا والله ما شوورت فيه ولا هويته حين بلغني، والله ليغزونا محمد إن صدقني ظني ، وهو صادقي ومالي بد من أن آتي محمداً أكلمه أن يزيد في الهدنة ويجدد العهد. قالت قريش قد والله أصبت وندمت على ما صنعت من عون بني بكر على خزاعة فتحرجوا وعلموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لن يدعهم حتى يغزوهم فخرج أبو سفيان ومعه مولىً له على راحلتين فأسرعا السير للمدينة ليلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقي في طريقه بُدَيل بن ورقاء ومعه جماعة من قومه فأشفق أبو سفيان أن يكون بُدَيل جاء رسولَ الله صلى الله عليه وسلم - أي ظن أن يكون بديل لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان عنده خبر غزو النبي صلى الله عليه وسلم لمكة- بل كان ذلك أقرب إلى اليقين عنده فقال للقوم أخبرونا عن يثرب متى عهدكم بها فقالوا لا علم لنا بها فعلم أنهم كتموه الخبر فقال أما معكم من تمر يثرب حتى تطعمونا فإن لتمر يثرب فضل على تمور تهامة؟ قالوا لا فلم يطمئن أبو سفيان لرد ُبديل ومن معه فقال لبديل هل جئت محمدا؟ قال لا ما فعلت ولكن سرت في بلاد بني كعب وخزاعة من هذا الساحل في قتيل كان بينهم فأصلحت بينهم فقال أبو سفيان إنك والله ما علمت برٌ واصل، ثم جلس إليهم أبو سفيان للقيلولة حتى انصرف بُدَيل وأصحابه فأتى أبو سفيان منزله ففت أبعار أباعرهم فوجد فيها نوىً من تمر عجوة المدينة فقال أبو سفيان أحلف بالله لقد جاء القوم محمدا وسار أبو سفيان حتى دخل المدينة المنورة فدخل على ابنته أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فهم أن يجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم فطوته عنه فقال : يا بنية!! أرغبت بهذا الفراش عني أم رغبت بي عن الفراش؟ فقالت : بل هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت امرؤ مشرك فلم أحب أن تجلس على فراش رسول الله صلى اله عليه وسلم فقال- في مرارة لا يكاد قلبه يطيقها لكنه لا يستطيع أن ينكرها- قال : يا بنية لقد أصابك بعدي شر فقالت - في ثقة واطمئنان كأنها تدعوه إلى الدخول فيما

 دخلت فيه - بل هداني الله للإسلام وأنت يا أبت سيد قريش وكبيرها- ذو عقل راجح يستشار في كل

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1:لم أشهده أي أن أبا سفيان يبرأ نفسه من تهمة التآمر، ولم أغب عنه أي حُملت مسئوليته فكأني لم أغب عن تبعاته ثم يتمادى فيقول لا يُحمل هذا إلا علي يعني أن قريشا لن تجد غير أبي سفيان يخرجها من هذه الورطة ثم يؤكد أنه لم يشهد هذا التآمر فيقول والله ما شوورت فيه ولا رغبت فيه حين بلغني

 

 الأمور وتنتدب لكل مهمة ملمة- كيف يغيب عنك الدخول في الإسلام وأنت تعبد حجرا لا يسمع ولا يبصر؟ فقام من عندها وهو لا يستطيع أن يجيب كما أنه لا يستطيع أن ينكر ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد قال : يا محمد!! إني كنت غائبا في صلح الحديبية فاشدد العهد وزد في المدة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم- كأنه يوبخه ويفشل مهمته - ألذلك جئت يا أبا سفيان؟ قال نعم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هل كان من قبلكم من حدث؟ قال أبوسفيان معاذ الله نحن على عهدنا وعلى صلحنا يوم الحديبية لا نغير ولا نبدل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن على مدتنا وصلحنا يوم الحديبية لا نغير ولا نبدل. فعاد أبو سفيان القول على رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يرد عليه شيئا وذهب أبو سفيان إلى أبي بكر يطلب منه أن يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يجير بين الناس فقال أبوبكر رضي الله عنه- كأنه يستنكر طلب أبي سفيان ان يجير بعد رفض رسول الله صلى الله عليه وسلم- قال جواري في جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم والله لو وجدت الذر تقاتلكم لأعنتها عليكم. فأتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فكلمه بمثل ما كلم به أبا بكر فرد عليه عمر في حدة مستنكرا ما جاء به ( أنا أشفع لكم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! فوالله لو لم أجد إلا الذر لجاهدتكم به ما كان من حلفنا جديدا فأخلقه الله وما كان منه متينا فقطعه الله وما كان منه مقطوعا فلا وصله الله) فقال أبوسفيان وقد يئس من عمر ورده : جوزيت من رحم شرا. فأتى عثمان بن عفان رضي الله عنه فقال يستعطفه ويستميله : إنه ليس في القوم أحد أقرب رحما منك فزد في المدة أو جدد العهد- وزاد في استعطافه واستمالته - فإن صاحبك لا يرده عليك أبدا فقال عثمان رضي الله عنه : جواري في جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأتى علياً رضي الله عنه فقال يا علي إنك أمس القوم بي رحمًا وإني جئت في حاجة فلا أرجع كما جئت خائباً فاشفع لي إلى محمد فقال علي رضي الله عنه وكرم الله وجهه :يا أبا سفيان والله لقد عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر لا نستطيع أن نكلمه فيه. ثم ذهب أبو سفيان إلى سعد بن عبادة رضي الله عنه فقال : ياأبا ثابت أنت سيد هذه البَحِيرَة فأجِرْ بينَ الناسِ وزدْ فى المدةِ. فقال سعد: جوارى فى جوارِ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم وما يُجيرُ أحدٌ على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى أشرافَ قريشٍ والأنصارَ وكلُهم يقولُ (جوارى فى جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يجير أحد على رسول الله) فلمّا أيس مما عندهم دخل على فاطمة الزهراء رضى الله عنها والحسن غلام يدُب بين يديها قال يا بنت محمد هل لك أن تجيرى بين الناس؟ فقالت إنما أنا أمرأة وأبت عليه فقال مرى أبنك هذا ـ أى الحسن بن على رضى الله عنهما ـ فيجير بين الناس فيكون سيّد العربِ إلى آخر الدهر فقالت: والله ما بلغ إبنى ذلك أن يجير بين الناس وما يجير أحدٌ على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فجاء إلى على بن أبى طالب فقال: يا أبا الحسن أرى أن الأمور قد أشتدت على فانصحنى, فقال على: والله ما أعلم شيئاً يغنى عنك شيئاً, لكنك سيد بنى كنانة. قال أبو سفيان: صدقت فأنا كذلك. فقال: فقم فأجر بين الناس ثم ألحق بأرضك. قال: أترى ذلك مغنىٍ عنى شيئاً؟ قال: لا واللهولكنى لا أجد لك غير ذلك. فقام أبو سفيان فى المسجد فقال: أيها الناس إنى قد أجرت بين الناس ولا والله ما أظنُ أن يخفرنى أحد. ثم دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد إنى قد أجرتُ بين الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أنت تقول ذلك يا أبا حنظلة )) ثم ركب بعيره فانطلق. وكان قد مكث فى المدينة وطالت غيبته عن قريش فاتهمته حين أبطأ وقالوا: (إنّا نظنه قد صبأ وأتبع محمد سرأً). فلما دخل على أمرأته هند ليلاً ـ وكانت إمرأةً حازمةً قوية ـ قالت له: لقد احتبست حتى اتهمك قومُك فإن كنتَ مع الإقامة جئتهم بنجح فأنت الرجل, ثم دنى منها فجلس مجلس الرجل من إمرأته فقالت ما صنعت؟ فأخبرها الخبر وقال: لم أجد إلا ما قال لى على فضربت برجلها فى صدره فقالت: قُبِّحت من رسول قوم فما جئتَ بخير!!. فلمّا أصبح أبو سفيان قَدِمَ على صنمين لهما هما إساف ونائلة حلق رأسه ثم ذبح لهما فجعل يمسح بالدم رأسيهما ويقول لا أفارق عبادتما فأموت على ما مات عليه أبى ـ إبراءً لقريش مما إتهموه به ـ فلمّا رأته قريش قاموا إليه وقالوا ما ورآك؟ هل جئتَ بكتابٍ من محمدٍ أو زيادة فى مدة ما نأمن به أن يغزونا محمد ـ يعنى هل جئت بوعد من محمد أو كتاب نأمنُ به من غزو محمد صلى الله عليه وسلم ـ فقال: والله لقد أبى على ووالله ما ردّ علىّ شىء. ثم كلمتُ أصحابَهُ فما قدرتُ على شىء منهم وما رأيت قوماً أطوع لمكٍ عليهم منهم له إلا أن علياً لما ضاقت بىَّ الأمور قال لى أنت سيد بنى كنانة فأجر بين الناس.فقالوا رضيت بغير رضىً وجئت بما لا يغنى عنا ولا عنك شئً ولعمر الله ما جوارك بجائز وإن إخفارك عليهم لهين ما زاد علىٌ أن لعب بك تلعباً فقال فى إنكسار هزيل: والله ما وجدتُ غير ذلك.