Sam Eldin فضيلة شيخنا
الطاهر محمد أحمد الطاهر الحامدى

Alshak Altaher
خيبر رمضان 1436 هـ

تأملات فى السيرة

لفضيلة الشيخ/ الطاهر الحامدى

حصونُ خيبر تتهاوى أمام رسول الله والمسلمين

بعدَ أنْ خَطَبَ النبىُّ صلى الله عليه وسلم أصحابَه يفومئذ وقال: (( لا تتمنوا لقاءَ العدو واسألوا اللهَ تعالى العافيةَ فإنَّكم لا تَدْرونَ ما تُبْتَلونَ بَهَ مِنْهُم فإذا لَقيتُموهُم فقولوا اللهم أنتَ ربُّنا وربُّهُم ونَواصِينا ونَواصِيهم بيَدِكَ إنّما تَقتُلُهم أنْتَ. ثُمَّ الزمْوا الأرضَ جلوساً فإذا غَشوكُم فانهضوا وكبِّروا)) ثم فرّق رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الراياتِ ,وكانتْ رايَتُهُ صلى الله عليه وسلم سوداء بُرْدٌ لعائشةِ ولوائُهُ أبيضَ ودَفَعَ رايَةً إلى الحُبابْ بن المُنْذِر ورايَةً إلى سَعْدٍ بن عبادَةَ وكان شِعَارُهُم ((يا منصور أمِتْ)) وأذِّنَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لأصحابه فى القتالِ وحَثَّهُم على الصَبْرِ وقاتَلَ صلى الله عليه وسلم يومَهُ أشَدَّ القتالِ وقاتَلَهُ اليهودُ وقاتَلَهُ أهلُ النّطاة أشَدَّ القتالِ وكان صلى الله عليه وسلم يومئذ عليه درعان وبَيْضَة ومِغْفَر وهو على فرسٍ يقالُ لهُ الظَرِب وفى يده قناة وترس فقال الحباب يا رسول الله لو تحولت؟ فقال صلى الله عليه سلم: (( إذا أمسينا إن شاء الله نتحوّل)).

واليهود قومٌ رُماة فكانوا من حصونهم يرمون المسلمين بالنبال وجعلت نبالهم تخالط العسكر وتجاوزه, والمسلمون يلتقطون نبلهم ثم يردّونها عليهم فلما أمسى رسول الله صلى الله عليه وسلم تحول الى الرجيع وأمر المسلمين ان يتحولوا على راياتهم حتى فتح الله عليهم وكان المسلمون قليلوا الزاد. وروى البيهقىُّ أنّ المسلمين لمّا قدموا خيبر أكلوا الثمرة الخضراء وهى وَبِيئة وخيمة  فأهمدتهم الحُمّى فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((ترّسوا الماء فى الشنان )) أى برّدوا الماء فى القرب (( فإذا كان بين الأذانين فإحدروا الماء عليكم حَدَراً واذكروا اسم الله تعالى)) ففعلوا فكأنما نشطوا من عقال.

ثم حاصر المسلمون حصن الصعب بن معاذ ثلاثة أيام وكان حصناً منيعاً وبه طعامٌ كثير وماشية ومتاعاً وأقبلت غنمٌ لرجل من يهود ترتع وراء حصنهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( مَنْ رجل يطعمُنا من هذه الغنم؟ )) فقال ابو اليسر كعب بن عمر: أنا يا رسول الله. يقول: فخرجت أسعى مثل الظَبى فلما نظر إلىّ  رسول الله صلى الله عليه وسلم مولياً قال: (( اللهم أمتعنا به)) فأدركت الغنم وقد دخل أوّله الحصن فأخذت شاتين من آخرها فاحتضنتهما تحت يدىَّ ثم أقبلت اعدو كأن ليس معىَّ شىء حتى انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بهما فذبحا ثم قسَّمهما رسول الله فما بقىَّ أحدٌ من العسكر الذين يحاصرون الحصن إلا أكل منهما.

ويروى عن رجل من أسلمْ يقال له مُعَتّب أنه قال: أصابتنا مَعْشَرَ أسلمْ مجاعةٌ حين قدمنا خيبر وأقمنا عَشَرَة أيام على حصن( النطاة) لا نفتحُ حصناً فيه طعام. فأجتمع أمرُنا أن نرسل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أسماء بن الحارث ـ اسم رجل ـ فقالوا أذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقل له إن أسلمَ  يقرئونك السلام ويقولون أنّا قد جهدنا من الجوع والضعف. فجاء اسماء بن الحارث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن اسلم تقرئك السلام وتقول إنّا قد جهدنا من الجوع والضعف فادعو لنا فدعا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: (( اللهم فافتح عليهم اعظم حصن فيها اكثر طعاماً وأكثرها ودَكاً ))ثم دفع اللواء الى الحباب بن المنذر رضى الله عنه ودعى الناس إليه فما رجعنا حتى فتح الله علينا حصن الصعب بن معاذ.

تقولُ أمُّ مُطاع الأسلمية رضى الله عنها: لقد رأيتُ أسلم حين شكوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم من شدّة الحال فَنَدَبَ رسول الله صلى الله عليه وسلم الناسَ فنهضوا فرأيتُ أسلمَ أوّل من انتهى إلى حصن الصعب بن معاذ فما غابت الشمسُ من ذلك اليوم حتى فتحه الله تعالى. وما بخيبر حصنٌ أكثر طعاماً وودكاً منه.

وبرز رجل من يهود يقال له يوشع يدعوا إلى المبارزة وبرز له الحباب بن المنذر فاختلفا ضرباتٍ فقتله الحباب وبرز له آخر يقال له الزَّيّال فبرز له عُمارة بن عُقبة الغَفارى فبادره الغفارى فضربه ضربة على هامته وهو يقول: (خذها وأنا الغلام الغفارى) فقال الناس بطل جهاده فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالة الناس فقال: ( ما بأسٌ به يؤجر ويُحمد)) يقول محمد بن سلمة رضى الله عنه رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى بسهم فما أخطأ رجلٍ منهم وتَبَسَّمَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فانفرجوا ودخلوا الحصن. ويروى انهم وجدوا فى حصن الصعب من الطعام ما لم يكونوا يظنّون انه هناك من الشعير والتمر والسمن والعسل والزيت ونادى منادى رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كلوا واعلفوا ولا تحملوا)).

تأمل أن النبى صلى الله عليه وسلم سمح لهم بالاكل مما غنموا من الحصن وأن يعلفوا دوابهم ولم يسمح لهم بحمل شئ مما غنموا... لماذا؟. أرى أنه ثمة احتمالات ثلاث

الاول:- أنه مع شدة الحر فى شبة الجزيرة العربية يكون الطعام أكثر عرضه للفساد فلا فائدة ترجى من حمله.

الثانى:- أن من طبائع النفس البشرية الشح.والاثرة.وتلك خصال تحمل المقاتلين على أن يستكثروا من حمل الطعام والعلف وفى ذلك ما يشغلهم عن القتال .

الثالث:- أراد النبى صلى الله عليه وسلم أن يغرس فى نفوس أصحابه المجاهدين فضيلة التوكل على الله تعالى وعدم الانشغال بالغنائم وجمعها والتفرغ لمهمة الجهاد فقط والثقة فيما عند الله وأنه هو الذى رزقهم هذه الغنائم قادر على أن يرزقهم مثلها وأكثر لو أنهم اطمأنوا لما عنده. وحتى يكونوا خفافا ولا يشغلهم جمع الزاد وحمله عن القتال والله أعلم.

فى المعارك والحروب يبذل العسكريون وقادة الجيوش جهودا كبيرة فى وضع الخطط والاستعداد للمعارك وحشد القوات والاسلحة وكيفية تحركها كما يعملون بكل السبل والوسائل لجمع العتاد اللازم والحشد المعنوى للمعارك يستوى فى ذلك من هم على الحق ومن هم على الباطل. لكن يبقى لمن هم على الحق التطلع والتشوق لمدد من عند الله يأتى بعد كل الاسباب والحوادث وفى ضوء هذا المدد وبسببه يكون النصر غالبا. فما بالك لو كان فى مقابل الباطل المحارب نبى مرسل مؤيد جاء بدعوة فيها سعادة البشر وتخليصهم من عبادة العباد الى عبادة الله وحده ذلك هو النبى محمد صلى الله عليه وسلم فلابد - والحالة هذه - أن يكون النصر حليفه وعلى الذين يجاهدون تحت رايته أن يثقوا فى تأييد الله له وأنه ناصره ومؤيده حتى يبلغ دعوته. أما الذين يخالفونه ويرفضون دعوته فليس لهم الا البوار والخسران مهما تعددت أسبابهم. اختلفت.أو توحدت! وهنا يمكننا أن نورد ما ورد فى انتقاله فى محاصرة حصون (الشق) وفتحها.. روى البيهقى ومحمد بن عمر عن شيوخه قالوا: لما تحول رسول الله صلى الله عليه وسلم الى (الشق) وبه حصون ذات عدد وكان أول حصن بدأ به صلى الله عليه وسلم حصن أبَّى ثم تهاوت الحصون حتى وصلوا الى حصن (النزال) وقد تجمعت الفلول المنهزمة فيه وامتنعوا فيه أشد الامتناع ورحف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وكان اليهود أشد الحصون رمياً للمسلمين بالنبل والحجارة حتى أصابت النبل ثياب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حفنة من حصى و رمي به الحصن فرجف الحصن بما فيه من اليهود ثم ساخ فى الارض فجاء المسلمون فأخذوا من فيه أخذاً. والله ينصر من يشاء. والى لقاء أخر ان شاء الله