Sam Eldin الشيخ محمّداحمد الطاهر الحامدي
Alshak Mohamed Altaher
مطية السالك
آداب الطريـــق

آداب الطريـــق ([76])

 

 اعلم أن آداب الطريق كثيرة جدًّا، وقد اندرس غالبها لقلة أهلها ومن يستعملها، مع أن مراعاتها من أوكد الأمور.

فقد قالوا: كاد الأدب([77]) أن يكون ثلثى الدين ..

وقالوا: من ترخص في الأدب رجع من حيث جاء.

وقالوا: العبد يصل بعبادته إلى الجنة ولا يصل إلى حضرة الله تعالى إلا بالأدب في العبادة. ومن لم يراع الأدب في طاعته فهو محجوب عن الله تعالى.

وقالوا: ترك الأدب موجب للطرد، فمن أساء الأدب على البساط رد إلى الباب، ومن أساء الأدب على الباب رد إلى سياسة الدواب.

وما وصل أولياء الله – تعالى – إلى ما وصلوا بكثرة الأعمال، وإنما وصلوا بالأدب وحسن الخلق .. اهـ.

وقال ذوالنون المصرى: إذا خرج المريد عن استعمال الأدب فإنه يرجع من حيث جاء.

وقال بعضهم: من ضيع الأدب فهو بعيد من حيث يظن القرب، ومردود من حيث يظن القبول.

وفى مدارج السالكين عن سيدى إبراهيم المتبولى – رضى الله عنه – أنه رأى شابًا كثير العبادة والاجتهاد وهو مع ذلك ناقص الدرجات.

فقال له سيدى إبراهيم: يا ولدى، مالى أراك كثير الأعمال ناقص الدرجة ؟ .. فقال: يا سيدى .. لا أدرى؟

فقال له سيدى إبراهيم: إنما جاءك النقص لعدم مراعاتك الآداب فى الأعمال الباطنية .. فقال: يا سيدى صدقت .. اهـ.

 

 آداب المريد مع شيخه([78])

 

فمن آداب المريد مع شيخه أن يعتقد أنه على أكمل الحالات، وأنه أفضل أهل عصره، وأولاهم بالإرشاد، فيحمد الله – تعالى – الذى دله عليه، وأدخله تحت تربيته .. إذ من شرط المريد أن لا يدخل فى صحبة أحد من الشيوخ حتى يقع له فى قلبه الحرمة التامة – كما تقدم – لأن ذلك أسرع لنجاحه، فبقدر ما يعظم عنده بقدر ما يقرب فتحه، وبقدر ما يسقط عنده بقدر ما تطول عليه الإقامة فى الطريق.

وقد كان الجنيد – رضى الله عنه – إذا جاءه المريد يقول له: اذهب فاخدم السلطان وأهل حضرته، واعرف مراسيمهم ثم تعال.

وكان يقول: من جالس هذه الطائفة ثم لم يتأدب معها، سلب الله منه نور الإيمان.

وفى رواية عنه: من جلس معهم ونازعهم فى شىء يتحققون به فى أنفسهم يخاف عليه من سوء الخاتمة. نعوذ بالله من ذلك.

نكتة: قلت لشيخنا وقد أتم بناء مكتب لم يبق إلا العقد .. أريد به السقف لأنه في التعارف بمعناه.

فنظر إلي وقال: الصحة فى العقد .. يريد الاعتقاد، أى صحة نفع المريد فى اعتقاده فى أستاذه، لأن الانتساب له إنما يصح بذلك دون المصاحبة الظاهرية .. فهو كقوله فى المورد:

واحش الحشا يا ذا الوفا من حبه         واخش الونى عن حيه فى قربــه

إذ كــم فتى قــد لازم الجهابــــذة         وما انطوى فى جملة التلامـــــذة

بـــل صاحـــب فى هيئة الأتبـاع         ويــدعــى إحسانــه المســاعــــى

مع كونهــم يولــونه المباسطــــة         وحرمة الإرشاد أضحت ساقطة

قال القشيرى – رضى الله عنه –: وإن بقى من أهل السلوك قاصد لم يصل إلى مقصوده، فليعلم أن موجب حجبه اعتراض خامر قلبه على بعض شيوخه فى بعض أوقاته، فإن الشيوخ بمنزلة السفراء للمريدين.

وقال أيضا: سمعت الأستاذ أبا على الدقاق – رحمه الله – يقول: بدء كل فرقة المخالفة. يعْنِى به من خالف شيخه لم يبق على طريقته وانقطعت الصلة بينهما وإن جمعتهما اليقظة.

فمن صاحب شيخًا من الشيوخ ثم اعترض عليه بقلبه فقد نقض عهد الصحبة، ووجبت عليه التوبة .. على أن الأشياخ قالوا: عقوق الأستاذ لا توبة منه .. اهـ.

وقيل: من أشد الحرمان أن تجتمع بالولي ولا ترزق القبول عنده، وما ذاك إلا لسوء أدبك في الباطن .. فيجب على الحاضر بين يدى أولياء الله – تعالى – أن يحفظ سره، فإنهم إنما ينظرون إلى القلوب والسرائر.

والحاصل أن النفع المترتب على الاجتماع بالأولياء إنما يحصل بحفظ القلوب معهم، وعظيم الحرمة لهم.

وقد زار بعض الملوك قبر أبى يزيد – رضي الله عنه – فقال: هل هنا أحد ممن اجتمع به وسمع كلامه ؟ فأشاروا إلى شخص مُسِنّ هناك .. فقال له الملك: ماذا سمعت من كلامه؟ فقال: سمعته يقول: من رآني فلا تحرقه النار .. فاستعظم الملك ذلك وقال: محمد رسول الله رآه أبو لهب والنار تحرقه! فقال له ذلك الشيخ: إن أبا لهب ما رأى محمدًا (صلى الله عليه وسلم) وإنما رأى يتيم أبى طالب ( يعنى أنه لم يره بعين التعظيم، وأنه رسول، وإنما رآه بعين الحقارة، وأنه يتيم رباه أبو طالب فلذلك أحرقته النار) .. اهـ .. من شَرْحَيْ الرائية والهائية.

ثم قال فى شرح الرائية: واعلم أن هذه الأمور التى تصدر من المعتقدين على قسمين:

أحدهما: أن تكون مما يحسن فيه التأويل على فاعله المعتقد .. وذلك كأخذ مال من شخص لاحتمال استحقاقه، وضربه لاحتمال وجوبه عليه، وقتله لاحتمال تعلقه عليه.

والثانى: أن تكون مما لا يحسن فيه التأويل كاللواط والزنا بمعينة([79])، وإدمان شرب الخمر.

قال الشيخ أبو العباس زروق – رضي الله عنه -: فلو أتى بأمر لا يباح، فلا تأويل إلا عصيانه وفسقه .. وما لا يباح بوجه هو اللواط والزنا بمعينة وإدمان شرب الخمر ونحوه .. لا قتل أو أخذ مال أو نحوه مما لا وجه في الإباحة عند حصول شرطه، وإنما التوقف عند الاحتمال باطنًا ولا توقف في الحكم الظاهر.

قال: وذلك لا يصرفه عن حرمته إلا في الحال([80]) لحديث: ( لا يزنى الزاني حين يزنى وهو مؤمن )([81]) أى كامل الإيمان .. وفيما بعد ذلك تعود حرمته بتوبته فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له .. اهـ.

فهذا ما يلزم فيما يصدر منه في خاصة نفسه، وأما فيما يأمر به فقال الشيخ أبو العباس زروق – رضى الله عنه -: فحيث بان الحق أو الباطل فليس إلا الفعل أو الترك، وإن خالف ذلك أمر الشيخ أو مراده وقصده، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق([82]) .. وحيث أشكل واحتمل فبصيرة الشيخ مقدمة، والاتباع لازم، والاعتراض حرمان .. وعليه ينزل قولهم: من قال لأستاذه: لم؟ لا يفلح أبدا .. بمعنى أنه لا يترقى لا أنه ينتفي عنه الفلاح أصلا وفصلا .. والله أعلم. وهذا كله بعد تحقق رتبة المشيخة .. اهـ.

وذكر أيضا أن الشيخ إذا أمر المريد بما يخالف الحق فليحتل فى حسن التخلص حتى لا يعمل بمنكر، ولا يستظهر بمخالفته فيتغير قلبه عليه .. اهـ.

وبالجملة.. فالجزاء من جنس العمل. فمن أعطى الشيخ ظاهره فقط جازاه بمثله، ومن أعطاه باطنه أعطاه الشيخ باطنه جزاء وفاقا، ومتى لم يحصر المريد نفسه مع الشيخ بانسلاخه عن نفسه، وفنائه فى شيخه، لا يستعد باطنه لقبول إمداداته المرقية له إلى عدم الاعتراض على الكبير المتعال، المؤدى ذلك إلى نيل مراتب القرب ومنازل الوصال .. لأن أصل كل خير هو أن يعرف العبد قدره، ولا يتعدى طوره، ويكون عند نفسه عبدا كما هو كذلك حقيقة، فيسلم لمولاه، ولا يعرج على أحد سواه .. فعلى حسب معاملة المريد مع الشيخ تكون معاملته مع الله بعد، حسب سنة الله الجارية.

وينبغى للمريد إذا سقطت حرمة أستاذه من قلبه أن يخبره بذلك ليداويه، إما بطرده عن صحبته أو باستعمال ما يزيل عنه العلة التى طرأت عليه بواسطة وقوعه في المعاصى.

قال سيدى محى الدين بن العربى – رضى الله عنه - : ويجب على الشيخ إذا علم أن حرمته سقطت من قلب المريد أن يطرده عن منزله بسياسة، فإنه من أكبر الأعداء.

قال: ويحبب إليه الاشتغال بظواهر الشريعة وطريق العبادة المحبوبة في العموم، ويغلق الباب بينه وبين من عنده من أولاده، فإنه لا شىء على المريد أضر من صحبة الضد .. اهـ.

إذا علمت ذلك فيجب على المريد أن يلازم الأدب مع شيخه ظاهرا وباطنا، فلا يخالفه في ورد ولا صدر، ولا يبق في متابعته شيئا ولا يذر. وليعلم أن نفعه في خطأ شيخه – لو أخطأ – أكثر من نفعه في صواب نفسه – لو أصاب - فإذا أرشده إلى شىء فعلا أو تركا – ولو بالإشارة – بادر إليه بالامتثال والطاعة .. قال: (صلى الله عليه وسلم) : " لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به "([83]) .. فكذلك لا يكون المريد مريدا حتى يكون هواه تبعا لما جاء به شيخه، إذ الوارث مسلكه مسلك مورثه. فجميع ما يأخذه من الشيخ كأنه يأخذه منه (صلى الله عليه وسلم) لأن الشيخ هو الذى تحقق بكمال المتابعة له (صلى الله عليه وسلم) فإذا خالفه في شيء من ظاهره أو باطنه فكأنما خالفه (صلى الله عليه وسلم) فإن اعتقد في شيخه هذا المعنى، لزمته أوامره وأحكامه، وإن لم يعتقد فيه ذلك لم ينتفع به.

نعم .. ربما أدت زيادة تعظيم الشيخ إلى مخالفة أمره محافظة على علو قدره .. فقد روى البخارى فى صحيحه عن البراء – رضى الله عنه – قال: اعتمر النبى (صلى الله عليه وسلم) فى القعدة فأبى أهل مكة أن يدعوه يدخل مكة حتى قاضاهم على أن يقيم بها ثلاثة أيام .. فلما كتبوا الكتاب كتبوا: هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله .. قالوا: لا نقر بهذا، لو نعلم أنك رسول الله ما منعناك شيئًا ولكن أنت محمد بن عبد الله .. فقال: أنا رسول الله، وأنا محمد بن عبد الله .. ثم قال لعلى: امح رسول الله، فقال: لا والله، لا أمحوك أبدا ... الحديث([84]).

فلم يدع عليا – كرم الله وجهه – ما خامر قلبه من تعظيمه (صلى الله عليه وسلم) أن يغير وصفه ويمحوه، وإن كان قد أمره بذلك .. وكذا نجد المريد ينحدر لتقبيل رجل الشيخ ويفهم من الشيخ النهى له عن ذلك ويتمادى.

وقد أمر بعض الشيوخ مريدًا له أن يركب فرسه وحث عليه فأبى استحياء منه، وإعظاما له أن يحل محله فقال ما معناه: لو ركب ما نزل أبدًا .. ولكن لابد من زيادة ما يفهم من قرائن الأحوال فإنه قد يأمره وينهاه أمر جزم ونهيه، وقد يكون ذلك هضمًا من حقه فقط، أو توقيرًا للمريد، فإذا بدر من المريد شيء من المخالفة فعليه بسرعة الاعتذار والإفصاح عما حصل منه ليهديه شيخه إلى ما فيه كفارة جرمه، وليلتزم في الغرامة ما يحكم به عليه، ومتى رجع إلى شيخه بالصدق وجب على شيخه جبران تقصيره بهمته، فإن المريدين عيال على شيوخهم، فرض عليهم أن ينفقوا عليهم من قوت أحوالهم ما يكون جبرانًا لتقصيرهم.

وكذا لا يدخل عليه إلا متطهرا ظاهرًا بالطهارة الشرعية، وباطنًا بالتوبة من كل ذنب، ليدخل حضرته على طهارة كاملة، وإن كان محله بعيدًا فلا يجتمع به إلا بنية الزيارة، ولا يطرق عليه باب خلوته إذا كان فيها بل يذكر الله جهرًا، فإذا سمعه وأمره بالدخول دخل وإلا انصرف، ولا يتكلم بحضرته إلا جوابًا، وليخفض صوته، وليطرق برأسه إذا جلس عنده .. ولا يكتم عنه شيئًا من خواطره، محمودة أو مذمومة، لكن لا يذكر منها إلا ما دام وتكرر، ولا يذكره بحضرة الناس، ولا يأكل معه حتى يدعوه،ولا يمش أمامه إلا ليلا، ولا يذهب من عنده إلا بإذنه، ولا يخرج لقضاء حاجة أحد غيره إلا بإذنه – ولو والدًا – فإن من له أبوان لا يفلح.

وكان بعضهم يقول لمن أراد صحبته .. ألك أب ؟ فإن قال: نعم، قال له: لا نصحب من له أب غيرنا.

وإذا أرسله لحاجة فلا يطلب منه شيئا يركبه إلا إذا كان عاجزا عن المشى أو لا يستطيع حمل الحاجة بنفسه، وليحذر من العجلة فى فعل ما أمره به حتى يعلم شروطه، إذ ربما لا يوافق غرض الشيخ، لكن متى عرفها لا يتأخر .. ولا يتخلف عن مجلس شيخه ولا درسه ولا وعظه إلا لضرورة ولا يكتم عنه شيئا من أحواله فى سيره ولا يفعل أمرا مهمًّا إلا بمشورته .. وقد تقدم بيان ذلك.

وليقم لقيامه .. ويقبل عليه إذا جاء، ولا يوله ظهره بل يقوم مواجهًا له حتى يتوارى، ولا يتربع بحضرته إلا بإذنه أو عن ضرورة بل يجلس مستوفزا كجلوس العبد بين يدى سيده، ولا يقعد بين يديه بقميص واحد إلا أن يكون ليس له غيره، ولا يتأول كلامه بل يحمله على ظاهره فى أمره ونهيه، ولا يطأ بقدمه على سجادته ولا ينم على وسادته، ولا يلبس ثوبه، ولا يمش فى نعله، ولا يرتد بردائه، ولا يسبح فى سبحته .. وإذا وهبه شيئا من ذلك فليظهر توقيره، وليجتهد فى نفسه أن يكون على أخلاق الشيخ من الأحوال والدين والنظافة الظاهرية والباطنية لئلا يسيء الأدب مع ذلك الشيء الذي هو من آثار شيخه، ولا يفعل معصية وهو لابسه، ولا يعطيه لأحد ولو أعطاه فيه ما أعطاه، إذ ربما يكون الشيخ طوي له فيه سرا، وربما جمع له فيه أخلاق الرجال كما طوي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الحفظ لأبى هريرة فى ردائه الذي أمره أن يبسطه ويضمه إليه فما نسى بعد ذلك شيئا.

والأشياخ ليس فعلهم سدى لأن مقامهم يعلو عن ذلك. ومن كلام أستاذنا – نفعنا الله به – إذا منحت شيئا من آثار الكرام فاجعل حفظه نصب عينيك على الدوام، فربما زفت إليك الأسرار محمولة على هوادج الآثار.

ولا يمش بنعل أعطاها له إلا فى مواطن الخيرات والمسرات .. وقد وهب بعض الأشياخ لمريده رداء، فرأى ذلك المريد قد بسط الرداء على رجليه .. فقال له: يا ولدى .. احفظ الأدب مع الفقراء وعظم شأنهم وأثارهم.

وليحذر كل الحذر من مجالسته وإدامة النظر إليه، إذ ربما يهون عنده، وتسقط حرمته من قلبه بذلك فيحرم بركته .. وإذا دخل فى مكان شيخه الخاص به ولم يجده، جلس متأدبا كأنه بين يديه، وعليه حتما السلام على مكان شيخه الذى كان يجلس فيه كلما مر عليه كأنه حاضر لم يسافر، لكن فى الأوقات التى كان يسلم على شيخه فيها فقط.

وعليه إكرام أولاده وأصحابه وعشيرته حتى ما لا يعقل، فى حياته وبعد مماته .. وليأخذ فى البعد جملة واحدة عمن يبغضه أو يحط عليه .. وذلك علامة صدق المحبة له .. قال فى الهائية:

وكن محب محبيه وناصرهم             والزم عداوة من أضحى يعاديه

ولا يبلغه مكروها سمعه من أحد فيه، وعليه رده ما استطاع، وليصم أذنه عن كلام كل أحد فيه حتى لو اجتمع أهل العصر على أن ينفروه عنه لم يقدروا، وإذا شاوره شيخه فى شيء رده إليه، فإن ألح عليه قال: لعل الأمر كذا وكذا ورأيكم أتم وأكمل، وإذا عرضت له حادثة أو رؤية فليذكرها له ويسكت ولا يطلب منه الجواب، فإن أجابه كان بها وإلا قبل يده وانصرف، وليعرض أيضا عن الجواب بقلبه لئلا يكون شيخه محكومًا عليه، وإن سأله عن مسألة ولم يجبه فلا يعد عليه السؤال، لأن طريق الفقراء: تعلم العلم للعمل، فربما عرف الشيخ أن المريد يعسر عليه العمل به فى ذلك الوقت فيترك تعليمه فيه لئلا يتسبب فى إقامة الحجة عليه.

ولا يفش له سرًا ولو نشر بالمناشير، ولا يتجسس على مقدار نومه أو أكله أو هل يأتى النساء قليلا أو كثيرا فإن ذلك كشف سوأة له، وربما كان سببا لتنقيص شيخه عنده لجهله بأحوال الكمل .. ولا يرد عليه كلاما ولو كان الحق بيده، فإن الشيخ إنما يتكلم بحسب السامعين، فليقف عند قوله ولو سمع منه غيره قبل ذلك، فلا يقول له: سمعت منك أمس غير ذلك، فإن ذلك جدال ومنازعة، ولا فرق فى التنازع بين أن يكون بالظاهر أو الباطن.

ومن الدسائس التي تدخل على المريد أن يطلب من شيخه دليلا على قوله، فإن فعل ذلك فقد نقض عهده الذي بايعه عليه وهو العمل بكل ما قاله ببادئ الرأي .. ويتأكد على المريد أن يصير تحت مناقشته فإن طريق الله لا تكون إلا بعد موت النفس، ولا يتساهل بهجر شيخه له فقد قالوا: كل مريد هجره أستاذه ولم يتأثر بذلك ولم يبادر بتطييب خاطره مقته الله ومكر به.

وقال بعضهم: لا تطالبوا الشيخ أن يكون خاطره معكم، بل طالبوا أنفسكم أن يكون الشيخ في خاطركم، فعلى مقدار ما يكون عندكم تكونون عنده .. فالمريد هو الذي يتعلق بشيخه، ويرى كل خير أصابه ببركته، فإن نور كل مريد من نور أستاذه: قال بعضهم: إذا صحت نسبتك من شيخك كان تأثيره بالإمداد فيك أفضل من تأثير أذكارك وجميع أعمالك.

وليتجرد بالكلية لخدمة شيخه إذا سافر معه، ولا يفارقه إلا لضرورة، وإذا منعه الشيخ من السفر معه أو من الذهاب لبيت من عزم عليه فلا يتكدر بل يفرح، لأن ذلك دليل على أن الشيخ غير غافل عن تربيته، وكذا لو مشاه طول الطريق وركب غيره .. وإذا أمره بخدمة أحد خدمه ولو كان أقل منه درجه – فيما يزعمه – وإن منعه شيئا من المباح امتثله لأن قصد الشيخ ترقى المريد، ولا ترقى فى المباح، ولا يكلف شيخه المشي إليه إذا قدم من سفر، ولا أن يعوده إذا مرض، أو يعزيه إذا مات له أحد .. ومتى تغير قلبه من شيخه بسبب ذلك فقد أساء الأدب معه .. ولا يتكلم فى غيبة شيخه بكلمة يستحى أن يقولها في وجهه .. كأن يقول: كان شيخي في المعاصي قبل دخوله الطريق، أو هل يحب النساء ؟ فإن ذلك أعظم خيانة يقع فيها المريد.

ويلزمه أن يعتقد أن كل ذرة من أعمال شيخه أفضل من عبادته طول عمره .. قال بعضهم: رياء العارفين أفضل من إخلاص المريدين([85]).

قال فى شمس التحقيق: ولا يغرنك مساواته لك في الأعمال، وموافقته لك في الأحوال، فما قل عمل برز من العارفين، وما كثر عمل صدر من الغافلين، ولا يصدنك عنه حسن أعمالك، ولا يردنك عن بابه جميل أفعالك، فأعمالك – وإن كثرت – كطيف خيال .. وأعماله – وإن قلت – هى الأعمال .. اهـ.

وذلك لأن النهاية ترد الأعمال إلى الباطن، ولذلك ترى كثيرًا من العارفين ساكن الجوارح إلا عن رواتب الفرائض، وربما يظن بعض القاصرين أنها بطالة وكسل وإهمال .. وهيهات، فتلك عبادة قلبية وهى أزيد أضعافا من عبادة الجوارح.

ومن الغفلة عن هذه الدقيقة ظن بعض الضعفاء أن الاقتداء بالأقوياء فيما ينقل عنهم من المساهلات جائز، ولم يدر أن وظائف الأقوياء تخالف وظائف الضعفاء .. وفى ذلك قال بعضهم: من رآنى فى البداية صار صديقا، ومن رآنى فى النهاية صار زنديقا .. وفى الحديث " ما فضلكم أبو بكر بكثرة صيام ولا صلاة ولكن بِسِرِّ وَقَرَ في صدره "([86]).

ويحكى أنه أرسل ذو النون المصري إلى أبى يزيد رجلا وقال له: قل له إلى متى النوم والراحة وقد جازت القافلة ؟ فقال له أبو يزيد: قل لأخى ذى النون: الرجل من ينام الليل ثم يصبح في المنزل قبل القافلة! فقال ذو النون: هنيئا له، هذا كلام لا تبلغه أحوالنا.

وقال بعض النساك: أتيت إبراهيم بن أدهم فوجدته قد صلى العشاء، فقعدت أراقبه، فلف نفسه بعباءة ثم رمى بنفسه إلى الأرض فلم ينقلب من جنب إلى جنب الليل كله حتى طلع الفجر، وأذن المؤذن، فوثب إلى الصلاة ولم يجدد وضوءه .. فحاك ذلك في صدري فقلت: يرحمك الله، قد نمت الليل كله مضطجعا ثم لم تجدد الوضوء .. فقال: كنت الليل كله جائلا في رياض الجنة أحيانا، وفى أودية النار أحيانا، فهل فى ذلك نوم ؟ .. اهـ.

ومن أهم الآداب وأوكدها أن لا يزور أحدا من المشايخ الأحياء والأموات إلا بإذنه، ولو كان ذلك الشيخ صديقا لشيخه خوفا من أن يرى كرامة أو خلقا لم يره في شيخه فيعتقد النقص في شيخه فيحرم مدده .. ولذا لا يزور أحدا من جماعة غير شيخه ولا يزيد على قول: السلام عليكم.

  واعلم أن منع المريد من الزيارة واجب على الشيخ ما دام تحت التربية ولم يبلغ درجة الكمال، فإذا علم منه أنه بلغ الغاية في الترقي، وأشرف على المقامات التي يتفرع منها كل طريق، ورأى الطرق كلها تدور وتجتمع في بحر واحد، أباح له الزيارة.

وإياك إياك .. ثم إياك إياك أن تظن أن الشيخ إنما نهاك عن زيارة غيره حبا للرياسة، وحسدا لأقرانه، كما قد يظن ضعفاء المريدين ومن لا علم له بالطريق، فذلك نقض للعهد الذي بينك وبينه.

قال سيدى محى الدين بن العربى فى كتابه مواقع النجوم: فإذا رغب هذا الشيخ فى إصلاحك وإصلاح غيرك حتى يود أن الناسَ كلَّهم صلحوا على يديه، فإنما يرغب فى ذلك لتكثير أصحاب محمد (صلى الله عليه وسلم) لما سمعه يقول " إنى مكاثر بكم الأمم يوم القيامة "([87]) وهذا مقام رفيع لفنائه عن حظه في إرشاده وإنما غرضه إقامة جاه محمد (صلى الله عليه وسلم) وتعظيمه .. وإذا تعلقت نية الشيخ بهذا يجازيه الله – تعالى – على ذلك من حيث المقام. انتهى نقله في العرائس القدسية.

وفى المدخل قال عمر بن الخطاب – رضى الله عنه – إنى لأتزوج النساء ومالى إليهن حاجة، وأطؤهن ومالى إليهن شهوة .. قيل: ولم ذلك يا أمير المؤمنين ؟ .. قال: رجاء أن يخرج الله من ظهرى من يكاثر به محمد الأمم يوم القيامة .. اهـ.

                   

آداب المريد فى نفســه

 

ومن آداب المريد فى نفسه أن يكون ناهض الهمة، صادق العزم، زائد الحزم، قوى الجد، كامل الوجد .. قال سيدى على وفا – رضى الله عنه -: تقول الأطباء إن برد الرحم سبب فى عدم الحمل، وهكذا نفس التلميذ، متى لم تجد لوعة الوجد وحرقة الطلب والشوق إلى المقصود، لم يتولد فيها من فيض أستاذه شىء، فهى مثل الوقود البارد لا يؤثر فيه القبس إلا دخانا كالدعاوى والرعونات الحاصلة للنفوس الداخلة بين القوم بغير حرقة شوق وصدق طلب ووجد .. اهـ.

قال فى العرائس القدسية: فشمر أيها الاخ ذيل الاجتهاد واحذر الكسل والفشل، وحد سيف المجاهدة وأطلب الوصف الأكمل، ولا تقنع بالفشل، واقبل كلام ابن الوردى – سامحه الله المعيد المبدى- :

اطلب العلم ولا تكسل فما         أبعـد الخــير على أهـل الكســل

لا تقــل قد ذهبــت أربابه         كل من سار على الدرب وصل

        وقال ابن غانم المقدسى:

ولا تقل لى الطريق وعر         فذاك سهل لمن مشاه

قال سيدي عبد الكريم الجيلى الهمام العالم العامل في كفاية (إنسانه الكامل): ولقد حكى لنا أن فقيرا سمع شيخه يقول: من قصد شيئا وجدَّ وَجَد.

فقال: والله لأخطبن ابنة الملك ولأبلغن فيها غاية الجد والاجتهاد .. فذهب إلى الملك فخطبها منه، وكان الملك لبيبا عاقلا، فكره أن يحقره ويقول له: لست بكفء لها.

فقال له: اعلم أن مهر ابنتى جوهرة تسمى بالبهرمان لا توجد فى خزائن كسرى أنوشروان أو خاقان.

فقال له : يا سيدى وأين معدن هذا الجوهر؟

فقال له: معدنه بحر سيلان، فإن جئتنا بصداقها المطلوب مكناك من هذا النكاح المخطوب.

فذهب الفقير إلى البحر وأخذ يغرف بقصعته منه، ويبدده في البرَّ مدة، لا يأكل ولا يشرب وهو منعكف على هذا الفعل ليلا ونهارا، فأوقع صدقه خوف انغراف البحر فى جوف السمك والحيتان فاشتكت إلى الله تعالى، فأمر الله تعالى الملك الموكل بذلك البحر أن يذهب إلى ذلك الرجل ويسأله عن حاجته فيسعفه ببغيته.

فلما سأله عن مقصده وأجابه الرجل، أمر البحر أن يقذف بموجه إلى البر ما عنده من جنس ذلك الجوهر، فامتلأ الساحل جواهر ولآلىء .. فحملها وذهب إلى الملك وتزوج بابنته.

فانظر يا أخى ما فعلت الهمة، ولا تظن بأن هذا الأمر عجيب أو شىء غريب، فقد شاهدنا – بل جرى من أنفسنا – ما هو أعظم من ذلك مما لا يحد ولا يحصر .. والله على ما نقول وكيل .. ولم أحلف لك إلا خوفا عليك من بادرة الإنكار أن تنزع بقلبك عن سلم الهوى ومعراج الأسرار، فإن القلوب إذا جاء فيها الخناس وألبسها ثوب الوسواس، يوشك أن تجول فى مهامه الإياس، فتحرم نور اليقين بظلمة الالتباس .. اهـ. كلام الجيلى قدس الله سره .. اهـ.

وما أحسن قول بعضهم:

اصبر على مضض الإدلاج فى السحــر       وللغدو على الطاعات فى البكـــر

إنى وجــدت وفـــى الأيــام تجــربـــــــة        للصــبر عاقبــة محمــودة الأثـــر

وقــــــل مـــن جــــد فى أمــــر يؤمـــله واستصحب الصبر إلا فاز بالظفر

        وقال الشاعر:

لأستسهلن الصعب أو أدرك المنى              فما انقادت الآمال إلا لصابر

فإياك والإياس فإنه سبب الإفلاس " إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ " ومن قرع أبواب الكرام ولج ولج.

ومن كلام الأستاذ فى بدايته:

إذا رمت الدخول بحان ليلــى                    وتبغي الوصل بالمحبوب ليلا

عن الأغيــار صــد ولا تبالـى           وقل بالعلم زدنـي فيــك جهــلا

وقف بالباب تحظى بالمعانـى                    ولا تركــن إلى من كــان ولّـى

فإذا علم الله صدق طلب المريد وشوقه إليه، دله على من يدله عليه، وأوصله إلى من يوصله إليه، فإنه موجود غير مفقود، وإنما أخفاه الله فى الوجود، كما أخفى ليلة القدر فى الليالى، وساعة الجمعة فى يومها، وهكذا الشأن فى كل نفيس.

وفى الأنوار القدسية للشعرانى: إن المراتب لا تنقص أربابها فلا يموت شيخ إلا ويخلفه آخر على قدمه.

وفيها عن ابن العربى: إن على قدم كل نبى وليا وارثا له فما زاد .. فلابد أن يكون فى كل عصر مائة ألف ولى وأربعة وعشرون ألف ولى على عدد الأنبياء، ويزيدون ولا ينقصون، فإذا زادوا قسم الله علم ذلك النبى على من ورثه .. اهـ.

وهذا الأدب أوكد الآداب فى حق المريد .. ومنها أن يكون محافظا على السنن والنوافل، وأن يسد على نفسه باب مراعاة الخلق فلا يتلفت لأحد من المخلوقين أقبل عليه أو أدبر، وأن يوبخ نفسه ويحثها على السير، وكلما تعبت  من عبادة يقول لها: راحتك في الآخرة، وأن يكابد خواطره ويعالج أخلاقه الذميمة كالعجب والرياء والغضب وعزة النفس، وأن لا يستبطىء الفتح بل يعبد الله لوجهه، فتح عليه أم لا.

قال ابن العربى: إياك أن تترك المجاهدة إن لم تر أمارة الفتح بعدها، فهذا أمر لازم لابد منه، ولكن للفتح وقت لا يتعداه، فلا تتهم ربك فإنه لابد لأعمالك من ثمرة إن كنت مخلصا.

وأن يأخذ بالأحوط في دينه ويخرج من خلاف العلماء لتقع عبادته صحيحة على جميع المذاهب أو أكثرها، وأن يعمل بعزائم الشرع فإن الرخص إنما جعلت لأصحاب الضرورات. وأن يخفى أعماله وأحواله ما أمكن حتى يرسخ، وأن لا يترفه فى المأكل والمشرب والملبس والمركب بل لا يفعلها إلا عن ضرورة، وأن يكون دائم الإطراق وعدم الالتفات، وأن يتباعد من معاشرة الأحداث ومخالطتهم فإنها توقع فى المهالك، وعن مجالسة أهل البدع والفسوق والغفلة والفقراء الجاهلين بآداب الشرع كالمطاوعة ومن ينسب للأحمدية.

قال الشعراني فى مدارج السالكين: فهؤلاء مشايخهم مبرؤون منهم ولو حضروا موالدهم وهاموا عند ذكرهم، لأن نسب الفقراء والقرب منهم إنما هو بسلوك آداب الشريعة، فكل من كان أكثر أدبا فى الشريعة كان أقرب إلى حضرة شيخه الذى انتسب إليه.

وكان سيدى إبراهيم الدسوقى – رضى الله عنه – يقول: من أحدث فى طريقنا ما ليس فى الكتاب والسنة فليس هو منا ولا من إخواننا، ونحن بريئون منه فى الدنيا والآخرة ولو انتسب إلينا هو بدعواه .. اهـ.

وقال أبو الحسن الشيرازى: صحبة أهل البدع تورث الإعراض                         عن الحق.. اهـ.

وأن لا يكشف عورته المغلظة فى الخلوات حياء من الله والملائكة وأن لا ينتصر لنفسه فى أمر ما، وأن يرى عبادته قد دخلها الخلل من الرياء والخواطر الرديئة، وأن لا يتكلم بكلام العارفين قبل كماله بل الأولى للكامل ترك ذلك إلا لحاجة، وان يحاسب نفسه على ما ارتكبه من المحرمات والمكروهات وفضول المباحات، وعلى الخواطر النفسانية والشيطانية ويستغفر من ذلك، وأن يرى دائما حقارة نفسه ليكون خديما لإخوانه، وأن لا يلهج بغير ذكر الله عز وجل، ولا يجيب قط من عدله إلى غيره من زوائد العلوم ونوافل العبادات([88]) فإن ذكر الله لا يقبل الشراكة، فكل شيء أشركه المريد معه تخلف عن الفتح بقدره كثرة وقلة، وأن يعرف من العلم ما تجب معرفته ليدخل طريق الله على نور فلا يخاف عليه الخروج من السنة إلى البدعة فإن طريق القوم مقيدة بالكتاب والسنة.

وقال السرى للجنيد: جعلك الله صاحب حديث صوفيا ولا جعلك صوفيا صاحب حديث.

قال الغزالي: أشار إلى أن من حصل الحديث والعلم ثم تصوف أفلح، ومن تصوف قبل العلم خاطر بنفسه .. اهـ.

 

 

آداب المريد مع أخوانــه ([89])

 

ومن آداب المريد مع إخوانه أن يكون محبا لهم جميعًا ويكون ذلك لله، وأن لا ينظر إلى عورة لهم ظهرت، ولا إلى زلة سبقت إذ لا يأمن من الوقوع فى مثلها .. وفى الحديث " من تتبع عورات أخيه تتبع الله عوراته، ومن تتبع الله عوراته فقد فضحه ولو كان فى جوف رحله "([90]) .. فإذا بلغه عنهم شيء كذب الناقل.

وأن يحب لهم ما يحب لنفسه، فينبههم على الوضوء قبل الوقت، وعلى النشاط فى العبادة، والقيام فى الأسحار .. فقد ورد: " المؤمنون كالبنيان يشد بعضهم بعضا "([91]) لكن يكون ذلك برفق، ولير أن نومهم خير من عبادته لئلا يغتر بحاله فيطرد ويلعن كما لعن إبليس بقوله ( أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ ).

قال بعضهم: لا يصير الفقير فقيرًا حتى تصير نفسه دون جليسه من المسلمين، فإن كان كذلك أمده الوجود كله وإلا لعنه الوجود كله.

وأن لا يكون سببا لأحد منهم في سوء الأدب مع الشيخ. ولا فى التكاسل عن حضور مجالس الذكر بالكلية، أو الحضور فى أول المجلس، أو عن صلاة الجماعة أو عن مجالس العلم والأدب. وإلا فقد أساء معهم وكان عليه وزر من اتبعه، إذا وبخه إخوانه على التخلف لا يقيم عليهم الحجة بل يقول لهم: جزاكم الله عنى خيرا، هذا دليل على صدق محبتكم، وإن نقل إليه أحد أن إخوانه يكرهونه ويقولون فيه كذا وكذا قال له: يا فلان، أنا من محبة إخوانى على يقين وكلامك هذا ظن، ولا أترك اليقين للظن.

وليراع مواطن غفلة إخوانه عن الذكر فيذكر هو فيها لتنزل الرحمة عليهم جميعا فيكون قد أحسن إليهم بذلك، ويرغبهم فى ذكر الله صباحا ومساء مع الفقراء، ولا يدعهم يجلسون للغو والغفلة، ويرشدهم ويعلمهم الآداب الشرعية والعرفية من غير أن يرى نفسه أفضل - إذ لايلزم من كونه أعلم أن يكون أفضل – ولا يكلفهم الأعمال الشاقة كشيل الحطب وسهر الليالى الكاملة .. وكل من كان أقدم عند الشيخ فهو أحق بذلك من القريب العهد، ولا يدخل عليهم غما، ولا ينساهم من دعواته، ويقدم حوائجهم الضرورية على نوافله لأن الخير المتعدى أفضل من القاصر، ويؤنس موحشهم، ويؤمن خائفهم، ويتخذ عنده ما يحتاجون إليه كالإبرة والخيط والخلال والسواك والمشط والمقص، ويقرب عليهم طريق الوصول، ويتظاهر بعداوة من عاداهم بغير حق، ويرشدهم إلى ترك البغى على من يبغى عليهم .. ففى الزبور: لا تبغ على من يبغى عليك إن أردت أن أنصرك، فمن بغى على من يبغى عليه تخلف عن نصرتى له.

ويتولى خدمة مريضهم ولا سيما ليلا حين ينام الناس ويتركونه، ويسأل عن غائبهم فإن كان فى حاجة دعا له، ولا يمنع أحدا منهم كتابه ولا حاجة من حوائجه إذا كان أحد إخوانه محتاجا إليها .. وينبغى اذا طلب أحدهم من أخيه حاجة أن يكون طلبه برفق ولين، ويكون عطاء المسئول ببشاشة وفرح، ويرى الفضل للآخذ .. وبالجملة فيطلب منه أن يعاملهم بما يحب أن يعاملوه به.


 

آداب المريد مع عامة الناس

 

ومن آداب المريد مع عامة الناس أن لا يكون عنده حقد ولا حسد ولا مشاحنة ولا غش ولا خديعة ولا خيانة لأحد ولا استهزاء بأحد من الخلق، وأن يتواضع للصغير والكبير، وأن يصل من قطعه ويعفو عمن ظلمه، ويحسن لمن أساء إليه، وأن لا يعترض على أحد من الخلق إلا إذا كان فعله يناقض الشريعة، وأن يوقر الكبير ويرحم الصغير ويرأف بالأرامل والمساكين، وينصر المظلوم، ويطعم المحروم، ويغيث الملهوف، ويعود المريض، ويصل الرحم، وغير ذلك من الأخلاق المطلوبة شرعا .. والله أعلم.

 



[76] - هذا العنوان غير موجود بالأصل وأثبتناه للتنبيه على الاعتناء بالموضوع.

[77] - المقصود بالأدب فيما نعلم عدم الاعتراض القلبى على مقادير الله .. وتصريف الأقدار والتسليم له سبحانه وتعالى والرضا في كل حال.

[78] - هذا العنوان غير موجود بالأصل وأثبتناه للتنبيه على أهمية الموضوع.

[79] - المقصود (بمعينة) يعنى واقعة زنا بامرأة معروفة محددة أما لو نسب إليه الزنا في واقعة غير محددة ولا معروفة فهنا يمكن قبول التأويل.

[80] - المقصود " بسقوط الحرمة في الحال" أى حالة ارتكاب المعصية التى يكون معها سلب الإيمان لنص الحديث وتعود الحرمة بالتوبة.

[81] - 17813- مسلم (1/77، رقم 57)، وأبو داود (4/221، رقم 4689)، والترمذى (5/15، رقم 2625) وقال: حسن صحيح غريب. وأخرجه أيضًا : أحمد (2/479، رقم 10220)، والبخارى (6/2497، رقم 6425)، وابن حبان (10/260، رقم 4412).(جامع الاحاديث للسيوطى)

[82] - وضح الأمر وبان بهذه القيود الشرعية فلا وجه لاعتراض المعترضين نسأل الله السلامة من الاعتراض الذى يوجب الطرد. 

[83] - 17365- لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به (الحكيم ، وأبو نصر السجزى فى الإبانة وقال - حسن غريب - والخطيب عن ابن عمرو) ذكره الحكيم (4/164) ، وأخرجه الخطيب (4/368) . وأخرجه أيضًا : ابن أبى عاصم (1/12 ، رقم 15) .(جامع الأحاديث للسيوطى)

[84] - (2552صحيح البخاري ج2 ص960) (حدثني عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء رضي الله عنه قال لما اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة ( الحديث .. )

[85] - هذا من قبيل حسنات الأبرار سيئات المقربين بمعنى أن المريد وهو السالك فى بدايته يكون إخلاصه غير كامل، وغالبا ما يكون مشوباً بما يقلل من صفائه أما العارفون – وان كنُا نعتقد أنهم تخلصو من مظانّ الرياء – إلا أنهم رغم احتمال الرياء فإن شدة محاسبتهم ومراقبتهم لقلوبهم وخطراتهم فهم أقرب فى حال الرياء من إخلاص المبتدئين.. والله أعلم..     

[86] - 1 – "ما فضل أبو بكر رضي الله عنه الناس بكثرة صيام ولا صلاة ولا بكثرة رواية ولا فتوى ولا كلام ولكن بشيء وقر في صدره " أخرجه الترمذى الحكيم في النوادر من قول أبى بكر بن عبد الله المزنى ولم أجده مرفوعا (تخريج أحاديث الإحياء للحافظ كتاب العلم الباب الثانى ج1 ص 20).

[87] - 9456 -  إنى مكاثر بكم الأمم فلا ترجعوا بعدى كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض (أحمد عن الصنابحى ، قال المناوى : وفيه مجالد بن سعيد فيه خلاف) أخرجه أحمد (4/351 ، رقم 19109) . قال الهيثمى (7/295) : فيه مجالد بن سعيد ، وفيه خلاف. وللحديث أطراف أخرى منها : "ألا إنى فرطكم على الحوض"(جامع الأحاديث للسيوطى"

[88] - لا يستمع إلى من يريد صرفه عن الذكر إلى نوافل أخرى يجوز تركها لأن الذكر أفضل العبادات وورد فى فضله آيات وأحاديث كثيرة.

[89] - هذا العنوان غير موجود فى الأصل وأثبتناه للعناية به.

[90] - 10911)26356- يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من يتبع عثرات أخيه المسلم يتبع الله عورته ومن يتبع الله عورته يفضحه ولو فى جوف رحله ( الترمذى - حسن غريب - عن ابن عمر . الطبرانى عن ابن عباس ) حديث ابن عمر : أخرجه الترمذى (4/378 ، رقم 2032) وقال : حسن غريب .. حديث ابن عباس : أخرجه الطبرانى (11/186 ، رقم 11444) قال الهيثمى (8/94): رجاله ثقات .( جامع الأحاديث للسيوطى)

[91] - 37- أخرجه البخارى (2/863، رقم 2314)، ومسلم (4/1999، رقم 2585)، والترمذى (4/325 ، رقم 1928) وقال: حسن صحيح. والنسائى (5/79 ، رقم 2560)، وابن حبان (1/467، رقم 231).- وأخرجه أيضا غيرهم. (الكبير للسيوطى)