رجال الطريقة الخلوتية

محمد بن سالم الحفنى

العارف بالله تعالى سيدى الشيخ/ محمد الحفنى

رضى الله عنه

 

سيدى الشيخ محمد بن سالم الحفنى رضى الله عنه

هو: الشيخ الإمام العلامة الهمام، أوحد أهل زمانه علمًا وعملاً، من أدرك ما لم يدركه الأُول، المشهود له بالكمال والتحقيق، والمجمع على تقدمه في كل فريق شمس الملة والدين: محمد بن سالم الحفنى, ويقال الحفناوى نسبة إلى قرية حفنة من قرى مدينة بلبيس بمحافظة الشرقية بمصر، ولد بها على رأس المائة الحادية عشرة، وهو شريف حسينى من جهة أم أبيه.

كان والده مستوفيًا عند بعض الأمراء بمصر, وكان على غاية من العفة والصلاح, نشأ بالقرية المذكورة وقرأ القرآن بها إلى سورة الشعراء ثم ألزمه أبوه بإشارة الشيخ عبد الرؤوف البشبيشى بالمجاورة بالأزهر فأكمل حفظ القرآن، ثم قدم مصر واشتغل بحفظ المتون فحظ ألفية ابن مالك والجوهرة والرجبية والسُلم وأبا شجاع.

 

ممن أخذ عنهم العلم:

منهم الشيخ أحمد الخليفى, والشيخ عبد الرؤوف البشبيشى, والشيخ أحمد الملوى, والشيخ محمد الصغير وغيرهم، ومن أجل شيوخه الشيخ محمد البديرى الدمياطى الشهير بابن الميت أخذ عنه التفسير والحديث والمسلسلات والمسندات والأحياء للإمام الغزالى وصحيح البخارى ومسلم وغيره من كتب السنن، ولازم الدروس حتى مهر وأفاد فى حياة أشياخه وأجازوه بالإفتاء والتدريس، فدرس الكتب الدقيقة مثل جامع الجوامع ومختصر السعد وغير ذلك من كتب المنطق، وحين جلوسه للإفادة  لازمه جل طلبة العلم، وكان إذ ذاك فى شدة من ضيق العيش والنفقة، ثم بعد مدة اشتغل بنسخ الكتب فشق عليه ذلك خوفًا من انقطاعه عن العلم، ثم أقبلت عليه الدنيا ثم تزهد وكان يتردد إلى زاوية الشيخ شاهين الخلوتى فى سفح جبل المقطم، ويمكث الليالي متحنثًا، وأقبل على العلم وعقد الدروس وختم الختوم بحضرة جميع العلماء واشتغل بعلم العروض أيامًا حتى برع فيه وعانى النظم والنثر وتخرج عليه غالب أهل عصره كأخيه العلامة يوسف الحفنى, والشيخ إسماعيل الغنيمى, وشيخ الشيوخ على العدوى, والشيخ أحمد الدردير, والشيخ محمد الغيلانى... وغيرهم..

 

أخذه طريق التصوف:

اشتغل بالسلوك وطريق القوم بعد الثلاثين من عمره فأخذ على رجل يقال له الشيخ أحمد الشاذلى المغربى المعروف بالمقرئ، فتلقى منه بعض أحزاب وأوراد ثم لما قدم السيد الشيخ مصطفى البكرى من الشام واستقر فى مصر سنة ثلاث وثلاثين ومائة وألف 1133 هـ، فاجتمع الشيخ الحفنى بالشيخ مصطفى البكرى بواسطة أحد تلاميذه، وهو السيد عبد الله السلقينى وسلم عليه وجلس, فجعل السيد البكرى ينظر إليه وهو كذلك ينظر إليه فحصل بينهما الارتباط القلبى، ثم قام وجلس بين يدى السيد البكرى بعد الاستئذان, وعادة الشيخ مصطفى البكرى إذا أتاه مريدًا، أمره أولاً بالاستخارة قبل ذلك، إلا هو، فلم يأمره بها، وذلك إشارة إلى كمال الارتباط فأخذ العهد عليه حالاً ثم اشتغل بالذكر والمجاهدة، فرأى فى منامه فى بعض الليالي السيد البكرى والشيخ أحمد الشاذلى المذكور جالسين يعاتبه السيد البكري فقال السيد: هل لك معه حاجة؟ قال: نعم, لى معه أمانة، وإذا بجريدة خضراء بيد السيد فقال له: هذه أمانتك؟ قال نعم، فكسرها نصفين ورماها للشاذلى، وقال له: خذ أمانتك, ثم انتبه فأخبر السيد فقال له: هذا اتصال بنا وانفصال عنه, وهذا هى النسبة الباطنية التي صار بها سلمان الفارسى وصهيب من أهل البيت.

 

وقال ابن الفارض رضى الله عنه في اليائية:

نسب أقرب من شرع الهوى   ***    بيننًا من نسب من أبوى

 

وقال في التائية على لسان الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه:

وإني وإن كنت ابن آدم صورة   ***    فلى فيه معنى شاهد بأبوتى

 

فإن كان سيدنا آدم عليه السلام أب له من حيث النسبة الظاهرة, فهو أب لآدم من حيث النسبة الباطنية.... الخ هـ.

 

ثم سار فى طريق القوم, ثم أتم السير حتى لقنه الأستاذ الاسم الثانى والثالث، ومن حين أخذ عليه العهد لم يقع فى حق الشيخ إلا كمال الأدب والصدق التام, وهو الذى قدمه وبه ساد أهل عصره، فمن ذلك أنه كان لا يتكلم فى مجلسه أصلاً إلا إذا سأله فإنه يجيبه على قدر السؤال, ولم يزل يستعمل ذلك معه حتى أذن له بالتكلم فى مجلسه فى بعض رحلاته إلى القاهرة, ومما اتفق عليه شيخه البكرى قال له مرة: تعالى الليلة مع الجماعة واذكروا عندنا فى البيت، لما دخل الليل نزل شتاء ومطر شديد فلم يتخلف وذهب حافيًا والمطر يسكب عليه وهو يخوض فى الوحل, فقال له: كيف جئت فى هذه الحالة؟ فقال: يا سيدى أمرتمونا بالمجئ ولم تقيدوه بعذر, وأيضًا لا عذر, والحالة هذه لإمكان المجئ وإن كنت حافيًا, فقال له: أحسنت, هذا أول من قد فى الكمال إلى ذلك ، ثم قدمه الشيخ على خلفائه، وأولاه حسن ولائه، ودعاه بالأخ الصادق ومنحه أسرارًا. أ.هـ.

 

من كرامات سيدى الشيخ الحفنى رضى الله عنه:

ألف أحد خلفائه العلامة الشيخ حسن شمه المصرى الفوي كتابًا مستقلاً وهو ما زال مخطوط بدار الكتب المصرية أذكر منه ما تيسر من الفصل السادس.

قال الشيخ حسن: ومن كرامات أستاذى الكشف الصريح الذى لم يتخلف قط، ما أضمرت في نفسى شيئًا يومًا واجتمعت به, إلا سمعته من لفظه, أو فعلت أمرًا إلا سمعت منه ما يدل عليه، فمن ذلك أنه قال لي يومًا بعد الفراغ من درسه، اسبقني إلى البيت، فتوجهت فلقينى بعض الأحباب، فقال لى: زر بنا المشهد الحسينى، فقلت له: أن الشيخ قال لى اسبقنى إلى البيت، فقال: الشيخ يتأخر مدة بحيث أننا نزور ونرجع إلى البيت ولم يأت، فامتثلت أمره وتوجهنا إلى المشهد الحسينى وزرناه ثم رجعنا إلى بيت الشيخ فوجدناه لم يأتى كما أخبرني الرجل فحمد الله تعالى وجلست هنيهة وإذا به قد جاء، فحين وقع بصره على قال لى أين كنت؟ فقلت: يا سيدى هنا، قال: الصدق أحسن، أين كنت؟ قلت: يا سيدى لقيني فلان، وأخبرته الخبر فقال لى: وتستعمل الكذب؟ إياك والكذب على الشيخ أ.هـ باختصار.

 

ومن ذلك: إنى كنت واقفًا خلفه فقلت فى نفسى: لو وقفت أمامه لكنت مشاهدًا وجهه, فالتفت إلىَّ وقال: أدخل فى المنضرة واجلس تجاه الشباك وأنت لم تزل تشاهدنى.

 

ومنه: أنه قال لى عن رجل من أهل الحجاز بلغه أنه يتكلم فى أهل الله كابن العربى: أُبَشَّرُك أن هذا الرجل يُعطب فى سفره هذا، وكان مسافرًا إلى إسلامبول(استانبول حاليًا),  فكان كما ذكر وعُطِب ذلك الرجل وتعب حتى الآن.

 

ومنه: أنه قال لبعض أمراء مصر: سَتُولّى سنجقًا ثم أميرًا على الحج فكان كما قال.

 

ومنه: أنى جلست يومًا عنده فقلت فى نفسى: مَجَّدِ اللهَ وعَظَّمْهُ، ثم قلت وبماذا أُمَجده؟ فقال مصرحًا: يا رباه يا غوثاه، يا مجيب من دعاه. أ.هـ.

 

وفاة سيدى الشيخ الحفنى رضوان الله عليه

توفى الشيخ ؤضى الله عنه فى مصر قبل الظهر من يوم السبت الموافق السابع والعشرين من ربيع الأول لسنة إحدى وثمانين ومائة ألف 1181 هـ: 1767م, وقد عاش من العمر ثمانين عامًا قضاها فى طاعة الله سبحانه وتعالى، ولشدة حب الناس فى الشيخ تأخر دفنه ليوم الأحد بعد أن صُلّى عليه فى الأزهر فى مشهد عظيم، ودفن فى مقبرة المجاورين ونعم الجار، وتقع حاليًا بجوار شارع صلاح سالم بالدَّراسة – وقبره هناك معروف يزار وبجواره مسجد صغير.

 

خلفاء سيدى الشيخ الحفنى رضى الله عنه:

1.    الشيخ محمد السمنودى.

2.    الشيخ حسن الشبينى ثم الفوى.

3.    الشيخ محمد السنهورى ثم الفوى.

4.    الشيخ خضر رسلان.

5.    الشيخ محمود الكردى.

6.    الشيخ محمد الزعيرى.

7.    الشيخ محمد سبط الأستاذ الحفنى.

8.    الشيخ محمد الهلباوى الشهير بالدمنهورى.

9.    الشيخ أحمد الغزالى.

10.     الشيخ أحمد النجاتى الأنصارى.

11.     الشيخ على القناوى.

12.     الشيخ سليمان المنوفى.

13.     الشيخ حسن السنحاوى.

14.     الشيخ يوسف الرشيدى الملقب بالشيال.

15.     الشيخ محمد الرشيدى المقلب بشعير.

16.     الشيخ محمد الشهير بالسقا.

17.     الشيخ باكير افندى.

18.     الشيخ محمد الفشنى.

19.     الشيخ عبد الكريم المسيرى الشهير بالزيات.

20.     الشيخ أحمد العدوى المقلب بالدردير.

21.     الشيخ محمد الرشيدى الشهير بالمعصراوى.

22.     الشيخ أحمد الصقلى المغربى.

23.     الشيخ سليمان البنزاوى ثم الأنصارى.

24.     الشيخ إسماعيل اليمنى.

25.     الشيخ حسن بن على المالكى المعروف بشمه.

وغير هؤلاء ممن لم نقف على أسمائهم كما ذكر ذلك المؤرخ الجبرتي في تاريخه ج1 ص 302،

فرع طريقنا من الشيخ العدوى الملقب بالدردير رحمه الله تعالى.

 

رضوان الله تعالى عليهم أجمعين