رجال الطريقة الخلوتية

السرى بن المغلس السقطى

سيدى العارف بالله تعالى/ السرى بن المغلس السقطى  رضى الله تعالى عنه

 

هو شيخ أهل الحقائق، والمنقطع عن جملة العلائق، إمام أزهرت روضة رياسته, واشتهرت تربيته وسيادته، وانتهت إليه مشيخة الصوفية، وتفجرت عيون مورده فى المعارف الإلهية، ومع ذلك كان وجيهًا عند الملوك والأكابر، معظمًا بين أرباب السيوف والمحابر.

 

الشيخ العارف بالله تعالى سيدى/ السرى بن المغلس السقطى، كنيته أبو الحسن، وخال الإمام الجنيد البغدادى, ولد في العراق، حتى صار شيخًا جليلاً، إمام البغداديين وشيخهم في وقته, وإليه ينتمى أكثر الطبقة الثانية من المشايخ المذكورين فى (طبقات الشيخ السلمى).

 

     أول من أظهر ببغداد لسان التوحيد, وتكلم في الحقائق والإشارات, وكان أوحد أهل زمانه ورعًا وزهدًا, ذا أحوال ومقامات.

 

ญญญسبب توبته:

      أنه مرَّ بجارية سقط منها شئ فانكسر فارتابت فأعطاها بدله، والشيخ معروف مار فنظر إليه فأعجبه صنعه، فقال(أى الشيخ معروف): بغضَّ الله إليك الدنيا، وأراحك مما أنت فيه، فترك حانوته وهام.

 

صحة نسبه الشيخ/ السرى لشيخه معروف الكرخى:

تلميذ الإمام معروف، وفى هذا يقول القشيرى فى رسالته: خال الجنيد وأستاذه, وتلميذ معروف الكرخى أ. هـ, وقال الشيخ الهجويرى فى(كشف المحجوب): وكان مريد معروف الكرخى, وقال الشيخ/ المناوى فى طبقاته الكبرى: أخذ من الكرخى وغيره, وقال العارف بالله تعالى عبد الرحمن الجامى فى (نفحات الأنس): ومن تلاميذ معروف الكرخى، وقال الشيخ عمر بن الملقن فى (طبقات الأولياء):

 وكان تلميذ معروف الكرخى, وقال الشيخ عبد الرحمن السلمى فى طبقاته: صحب معروف معروفًا الكرخى, وقال الشيخ الشعرانى فى طبقاته الكبرى: صاحب معروف الكرخى، سبعة مصادر تدل على أن الشيخ/ السرى السقطى رضى الله عنه كان تلميذًا أو مريدًا للشيخ معروف الكرخ رضى الله عنه,  ولو ذكرت ما وقعت عليه مما يؤيد أخذ الإمام السرى السقطى من شيخه معروف الكرخى بالتفصيل, لطال بنا الحديث, لكن ذكرت سبعة مراجع، حتى لا يطعن طاعن فى صحبة شيخ لشيخه أو سند شيخ إلى شيخ.

 

بعض من مناقب العارف بالله  السرى السقطى رضى الله عنه.

 

قال الجنيد قدس الله سره: ما رأيت أعبد من السرى، أتت عليه ثمان وتسعون سنة ما رؤى مضطجعًا إلا في علة الموت.

 

وقال الجنيد: سألني السرى يومًا عن المحبة, فقلت: قال قوم: هي الموافقة, وقال قوم: الإيثار، وقال قوم كذا وكذا، فأخذ السرى جلدة ذراعه ومدها فلم تمتد ثم قال: وعزته تعالى لو قلت: أن هذه الجلدة يبست على هذا العظم من محبته لصدقت، ثم غشى عليه فصار وجهه كأنه قمر مشرق.

 

ومن مناقبه رضى الله عنه:

قال: منذ ثلاثين سنة وأنا في الاستغفار من قولى: الحمد لله، مرة، وقيل: وكيف ذلك؟ قال: وقع حريق ببغداد, فاستقبلنى رجل فقال لى: نجا حانوتك, فقلت: الحمد الله، فمنذ ثلاثين سنة أنا نادم على ما قلت: حيث أردت لنفسى خيرًا مما حصل للمسلمين.

 

وقال الجنيد: دخلت على السرى السقطى وهو يبكى، فقلت له: ما يبكيك؟ فقال: جاءتني البارحة الصبية فقالت: يا أبتى, هذه ليلة حارة وهذا الكوز أعلقه ها هنا, ثم إنه غلبتني عيناي فنمت، فرأيت جارية من أحسن الخلق قد نزلت من السماء، فقلت: لمن أنت؟ فقالت: لمن لا يشرب الماء المبرد فى الكيزان, فتناولت الكوز فضربت به الأرض فكسرته, قال الجنيد: فرأيت الخزف لم يرفعه حتى عفا عليه التراب.

 

بعض اقوال من أقواله رضى الله عنه:

      عجبت لمن ينشد ضالته وقد أضل نفسه، وعجبت لمن سافر في طلب الربح ولم يربح تأجر مثل نفسه.

 

وقال للجنيد: يا غلام احفظ عنى، المعرفة ترفرف على القلب فإن كان فيها حياء وإلا ارتحلت.

 

ودخل عليه الجنيد فقال له: يا جنيد: عصفور يجئ كل يوم أفت له الخبز في يدي فيأكله، فنزل الساعة ولم يسقط على يدى فتذكرت أنى أكلت ملحاً بإبزار، فآليت أن لا آكله بعدها فعاد كما كان.

 

وقال: القلوب ثلاثة: قلب كالجبل لا يزعزعه شىء، وقلب كالنحلة ثابت والريح يميلها، وقلب كالريشة يميلها الريح يمينًا وشمالاً، وقال: من أراد يسلم دينه ويستريح قلبه وبدنه, ويقل همه وغمه, فليعتزل الناس.

 

وقال: من لم يعرف قدر النعم سلبها من حيث لا يعلم, ومن هانت عليه المصائب أحرز ثوابها.

 

- قليل فى سُنة خير من كثير فى بدعة، كيف يقل عمل مع تقوى.

 

- من قلة الصدق كثرة الخطأ، ومن علامة الاستدراج العمى عن عيوب النفس.

 

- أجلد الناس من ملك غضبه، ومن تزين للناس بما ليس فيه سقط فى عين الله، ولن يكمل رجل حتى يؤثر دينه على شهوته، ولن يهلك حتى يؤثر شهوته على دينه.

 

- أحب أن آكل أكلة ليس لله على فيها تبعة، ولا لمخلوق على فيها منة، فما أجد إلى ذلك سبيلاً.

 

- ثلاثة من كن فيه استكمل الإيمان: من إذا غضب لم يخرجه غضبه عن الحق، وإذا رضى الله لم يخرجه رضاه إلى الباطل، وإذا قدر لم يتناول ما ليس له.

 

والكثير والكثير من أقوال شيخنا السرى فلتنظر في كتبها.

 

بعض من كرامات شيخنا السرى رضى الله عنه.

 

     إظهار الكرامة جائز فى عقله ونقلاً، وهذا الولى لصدقه مع الله أيده بالكرامات منها:

 

قال الخانى: قال مظفر بن سهل: سمعت علانًا الخياط, وكان قد جرى بينى وبينه ذكر مناقب السرى، يقول: كنت جالسًا يومًا مع السرى, فجاءته امرأة وقالت: يا أبا الحسن, أنا من جيرانك وأخذ ابنى الطائف, وأخشى أن يؤذيه فإن أردت أن تجئ معى أو أبعث إليه؟ قال بن علان: فتوقعت أن يبعث إليه، فقام وكبر وطول صلاته، فقالت له المرأة، يا أبا الحسن, الله الله فىَّ’ أخشى أن يؤذى ولدى’ فسلم وقال لها: أنا في حاجتك، فلم يكن إلا أن جاءت امرأة أخرى وقالت لها، قد أفرج عن ولدك اذهبي إليه، فتعجب رجل من سرعة إجابة دعائه’ فقال له علان: لأي شئ تتعجب؟ اشترى كر لوز(الكر: عدد يساوي في الحساب مائة ألفًا.هـ هذا نقلاً عن كتاب العارف بالله السرى السقطى, ويجوز أن يكون الكر: الكمية) بستين دينارًا, وكتب على العدل الذى فيه ربحه ثلاثة دنانير، فارتفع السعر حتى صار الكر لوز بتسعين دينارًا، فأتاه الدلال، وقال: أريد ذلك اللوز، فقال خذه، فقال بكم، فقال: بثلاثة وستين دينارًا، فقال له: إن اللوز قد صار بتسعين دينارًا، فقال: عقدت بينى وبين الله تعالى عقدًا لا أحله, لست أبيعه إلا بثلاثة وستين دينارًا, فقال له الدلال: إنى عقدت بينى وبين الله عقدًا أن لا أغش مسلمًا، لست آخذه منك إلا بتسعين، فلا الدلال اشتراه ولا هو باعه’ فكيف لا يستجاب دعاء من  هذه فعله.

 

ومنها: قال على بن عبد الحميد الغضابرى: دققت الباب على السرىِّ, فسمعته من وراء الباب وهو يقول: اللهم اشغل من شغلنى عنك بك, فكان من بركة دعائه أنى حججت أربعين حَجة ماشيًا ذهابًا وإيابًا.

 

وله رضى الله عنه الكثير والكثير, فإنه من أكابر الأولياء الذين مهدوا الطرق لعباد الله تعالى.

بعض من خلفائه وتلاميذه رضى الله عنه:

     اصطلاح المتقدمين، من عصر النبوة حتى بعد سنة 500 هـ يطلق على المريدين، أصحاب وتلاميذ وأتباع، ومن عصر أبى النجيب السُهروردي حتى عصرنا هذا 1425هـ يطلق على من تعلق بمشرب معين من الطرق، مريدون وخلفاء، وإذا ذكرت من بداية الترجمة حتى عصرنا هذا بذكر خلفاء فلا مانع إذا كان الهدف واحد– وهذه ملحوظة– لكى يأخذ كل قارئ اللفظ بمعناه الحقيقي، والله من وراء القصد.

   

   شيخا السرى له كثير من الخلفاء والأتباع والتلاميذ والأصحاب, لكن هنا ذكر الخليفة له مقصد معين بمعنى من له عناية خاصة عند الشيخ والله أعلم.

 

الأول: الإمام الجنيد البغدادى، وهو يتفرع منه أغلب الطرق الصوفية.

الثانى: أبو الحسين النورى.

الثالث: حسين النساج.

الرابع: أبو سعيد الخراز.

وغير هؤلاء من المشايخ قدس الله أسرارهم.

 

رضوان الله تعالى عنهم أجمعين