رجال الطريقة الخلوتية

شعبان ولى القسطمونِّى

العارف بالله تعالى سيدى الشيخ/ شعبان أفندى القسطمونى

رضى الله عنه

 

هو: سلطان إقليم الحقيقة، وشجاع قافلة شمس معانى الأسرار، الواقف على  أسرار نبوة الأنوار، فاتح طلسم كنز المعانى، كاشف أسرار الصمدانية, سلطان المرشدين، كمل الكاملين مرشد العارفين، تاج حقيقتنا وسند سعادتنا، من حاز الشرف البهى أعنى به الشيخ شعبان ولى، قدس الله سره العلى.

 

ولد رضى الله عنه: في بلدة طاش كبرى فى ولاية قسطمونى، توفى والديه وهو صغير فنشأ يتيمًا، فقامت بتربيته سيدة من أهل الخير، لوجه الله تعالى، قرأ القرآن الكريم، وكان تارة يجوده، وتعلم العلوم العقلية، والنقلية، وعلم المعقولات فى طاش (طاش كبرى) وتارة فى (قسطمونى) نفسها، وعلاوة على ما كان له من حسن سمت وخصال حميدة كان قدوته فى ذلك الرسول صلوا ت الله وسلامه عليه.

 

        اشتهر بالأدب والوقار والأمانة والصلاح إلى أبعد الحدود، وكان له ميل للإستزاده فى طلب العلم والكمال، ومن ثم يمم شطر استانبول مقر العلماء والفضلاء ومجمع المولى والعظماء وانكب بصلاح وتقوى على علم التفسير والحديث, ويروى أنه تعلم التفسير والحديث على يد شخص يدعى عثمان أوغلى خوجه ولى, ولما بلغ الرفعة والكمال أخذت الجذبة الإلهية قلبه وروحه القابلة لتحصيل المعارف وتكميل الحقائق فعكف على دراسة التصوف والعمل اللدني الذى هو الأصل والمقصود من كل هذا القدر من المعلوم، وحبب إليه العزلة والخلوة ويسد باب حجرته لكى لا يختلط بأحد, وتارة كان يخالط من كانوا على شاكلته من أهل العلم والجلد، ولما سلك هذا الحال وعلم أنه فى حاجة إلى المرشد الكامل، عمد إلى مشايخ استانبول يشكو إليهم حاله، فلم يتيسير له فى هذا المكان ما طلب حتى رأى فى منامه من يقول له صراحة: امض إلى مسقط رأسك, فذهب إلى مدينة بولى نفسها وكان يشتغل فيها بالإرشاد خير الدين أفندى قدس الله سره، فاجتمع به وعرض حاله عليه، وسلم نفسه إليه وظل معه اثنى عشر سنة كان يعمل فى خدمة الشيخ والتكية، ولبس من يده خرقة الإرادة، وتاج العزة ومنطقة الغيرة، وشمر عن ساعديه للخدمة بروحه واعتزم فتح طلاسم خزائن قلبه بتزكية النفس وتصفية القلب وتجلية الروح تحلية السر.

 

        ولما رأى الشيخ أحوال هذا المريد الساطع نجمه أمره شيخه بالإرشاد والذهاب إلى مدينة قسطمونى– بلده بتركيا– لتسلية العباد، فامتثل لأمره ورحل إليها, فساقه الله تعالى إلى قرب مسجد السيد سنتى أفندي أحد خلفاء السيد يحيى الشيروانى قدس الله سره، وهذا المسجد في سفح القلعة في (قسطمونى) والآن هذا المسجد يسمونه جامع شعبان افندي، وذهب مدة أيضًا مسجد جمال أغا الذين كانوا يطلقون عليه مسجد حسام خليفة، فمضى إليه واشتغل بالمجاهدة والمراقبة ولم يتعلق بالناس قط وتعلق لسانه بذكر الله وقلبه بالتفكر في الله، وكان الغالب عليه الفقر الصور بحكم الفقر المعنوى، وذهب أيضًا إلى مسجد سنتى أفندى ورأى فيه بيوت الخلوات الخالية بالجامع مدة حتى توفى السيد سنتى وانقطع الإرشاد, وهذا الانقطاع أخبر به الخضر عليه السلام السيد سنتى بأن الإرشاد ينقطع عن مقامه، وكان رضى الله عنه يكثر من عباد’ الأربعينية فى خلوته بمسجد سنتى أفندى قدس الله سره، وحتى قال بعض مريدى الشيخ شعبان ويدعى عبد الواسع دهده والد كبير ذاكرينا عبد السلام ده ده, أن والدنا أيوب خليفة كان قد أحب العزيز(الشيخ شعبان) حبًا جمًا، وأنه لم يزل يتعهد بإحضار الطعام له فى خلوته فى المسجد كل يوم، حتى حدث ما عاقه عن القيام بذلك عدة أيام فنسى إحضار الطعام له، وذات يوم تذكر أنه قد نسى العزيز فترة من الزمن وأنه لم يبقى جائعًا فى المسحد فبلغ منه الأسف مبلغًا شديدًا أنه قد نسى العزيز فترة من الزمن ولم يبقى جائعًا فى المسجد, فذهب مسرعًا لحضرة الشيخ شعبان وقدم له العذر، فقال له الشيخ شعبان: يا أخى, إن حالى هكذا وهذا هو نصيب هذا المكان، ومن سبقنى من الأعزاء(جمع أعز أى ولى عارف) فقد عانى من هذه المجاهدة, وكنت منذ أيام أبحث عن بقايا فتات طعام الفئران ولم أأكل أكلها حتى لا تجوع الفئران، بل كنت أضع مقدارًا منها لهم, وتوكلت على الله ولم تمسني حاجة قط للناس, وفضل الله ونعمته علىَّ عظيمة ولم أبق جائعًا. أ.هـ وجلس فى خلوة السيد سنتى أربعين يومًا، وظهر حاله عنه واشتهر أمره بالقوة الرحمانية والحالة الروحانية ثم دعى إلى جامع (خوانسالار) داخل البلد, فأجاب وجلس فيه وزاد عدد مريديه, واعتقده أهل البلدة فوضعوه فى المفارق تاجًا, واطلعوه في أفقهم سراجًا وهاجًا, وانعقد على ولايته الاجتماع, وتفرد بالكمال فكان يلجأ إليه الوافدون, وعلمًا ظاهرًا للقاصدين, وأخذوا عنه الطريق, ولبسوا منه الخرقة الأنيقة كثيرون لا يحصرهم عد ولا يضاهيهم حد, وكانت حضرته معدن المعارف والعلوم, ونزهة تزيل الهموم, إلا أنه كان لا يريد ظهر الحال، واشتغل مدة بتدريس التفسير والحديث، ثم انقطع عن ذلك لاشتغاله بالإرشاد والعلم الذاتى، وكان لا يفوته دقيقة فى العمل بمضمون كتاب (معيار الطريق) الذى ألفه الأربعين عالمًا من فقراء السيد يحيى الشروانى, وكان يقول: عليكم بمعيار الطريق, فلا تزيدوا عليه ولا تنقصوا منه, فإن الأوراد الشريفة التى تقرأ فى طريقنا, والقواعد السائدة فيها كان يعمل بها سلطان الأولياء سيدى يحيى الشروانى، وذلك مكتوب ومدون فى اللوح المحفوظ، وكان لا يخلط فى عمل الأغراض الدنيوية, وكان يقول: لا يصح أن يكون فى بلد خليفتين عن شيخ إلا أن تكون تلك البلدة كبيرة، وكان يقول: الشريعة قشر الطريقة قشر الحقيقة, وإياكم وغلط الملاحدة فإنهم يقولون من وصل إلى الحقيقة لا يلزم له الشريعة, وهذا الكلام باطل فإن الحقيقة إذا كانت بمنزلة اللب فالحفظ والكمال لا يكون إلا بالقشر والشريعة والطريقة, وإذا تجرد عن القشر من أول الأمر اختل نظامه ولا يحصل منه شيء, وهذا الكلام مراده أنه إذا أصاب القشرة الخارجية الخضراء لثمرة اللوز ضرر أو خلل, فإنه لن يظهر إلى الوجود ما هو مراد بداخلها من لب وزيت وتزيل ثمرة اللوز، ولا يكتمل النضح وتضيع، والأمر كذلك فى السلوك وهذا هو وجه تشبيه الشريعة بالقشرة والطريقة باللوزة، ويعنى هذا إنه إذا أصاب الخلل أو الضرر قشرة الطريقة فإنه لن يتحصل لها الكمال والنضح، وهذا في الحقيقة هو وجه التشبيه وليس من يزعمه الملاحدة, ومحصلة الكلام فإنه لا يتحصل الطريقة بلا شريعة ولا تتحصل الحقيقة بلا طريقة.

 

        وبعد الحريق الذى أصباب جامع (خوانسالار) عاد إلى مسجد السيد سنتى, وقال الشيخ شعبان: أن ثمة حماية إلهية فى نشوب ذلك الحريق، وذهب إلى القرب من مسجد السيد سنتى فى سفح القلعة وبنى له منزلاً صار مرجعًا للعلماء ودفة فيه.

 

        وإن شيخنا (الشيخ شعبان) كان متمسكًا بالسنة إلى أبعد الحدود، قال سيدى مصطفى البكرى رضى الله عنه في رسالة (الخلوة): إن سيدى شعبان أفندى اختلى نحو ثلاثين سنة فى طاق المسجد، وفى هذه الخلوة أخذ العهد على  كبراء الجن أن لا يؤذوا أحد من أهل طريقته، أخبرنى بذلك شيخنا وأخبره غيره أنه دعى الله تعالى أن لا تغرق سفينة فيها أحد من سلسلته, وألا تقبل عليهم الدنيا، وأخبرني شيخنا عنه أن كان يقول المهدى يخرج من سلسلة طريقى, ولم يخرج سيدى شعبان أفندى من تلك الخلوة حتى أمر بالخروج والإرشاد والدعوى إلى الله على لسان امرأة مجذوبة ذات كرامات ظاهرة وخوارق باهرة, وكان قبل ذلك قد تقدم له الإذن بالإرشاد من شيخه الشيخ خير الدين التوقادى قدس الله سره، فجاءته تلك المراة وقالت له: قم وارع الغنم فما عاد لهم راعي، ففهم إشارتها, وأخذ الدعوة والإرشاد حتى تربى على يديه رجال من أرباب الصلاح لدى المجال.

 

        وقال الشيخ حسن الأرضرومي قدس الله  سره إن خلفاء سيدى شعبان أفندى رضى الله عنه ثلاثة مائة وستين (360), وسأل الشيخ عمر الشيخ حسن الأرضرومى: لماذا دعا لهذا القدر من الخلفاء؟ فروى أنه قال (أى الشيخ شعبان) أنه دعا لثلاثمائة منهم, ودعا سلطان الأنبياء لستين منهم.

 

        وبعض الكاملين يروون كذلك أنه قال: يكفينى ثلاثمائة ويكفى الحق ستون.

        وكان الشيخ شعبان أفندى لديه القدر من العلوم النقلية والعقلية، كان يبدو فى صورة أمى مثل حضرة القطب العربى حبيب الأعجمى، وكان يحذر من مكر العلم الظاهر، وكثير من مناقبه موجود فى مناقبه الشريفة.

 

من كرامات سيدى الشيخ شعبان افندى رضى الله عنه:

1- كان رضى الله عنه وأرضاه  يصلى الأوقات الخمس بالكعبة وربما أكثر أوقاته، وهذا ثابت عنه, كان رجل صالح من أهل قرية قسطمونى سافر إلى الحج ثم مرض فى مكة وتركه رفقاؤه فى الرجوع فبقى وحيدًا غريبًا محزونًا، ثم أشار إليه بعض أرباب الكمال، إن أردت نفاذ أمرك ووصولك إلى وطنك صل الصبح مع الإمام الحفنى وأمسك ذيل الشيخ الرومى الذى في رأسه تاج الخلوتى، فامتثل الرجل هذا الأمر فلما رأى الشيخ شعبان أفندى قدس الله سره أخذ ذيله وترجى منه مراده فامتنع الشيخ أولاً، ثم قبل وأخذ العهد بأن يكتم هذا الأمر ما دام حيًا وقضى حاجته وأخذه إلى وطنه بالطى، كرامة منه رضى الله عنه.

 

2- إن الحاج أحمد جلبى (تنطق تشلبى) كان على قيد الحياة زمان الشيخ عمر الفؤادى والحاج على خليفة من حفظة كلام الله، والحاج محمد المعروف بقره بلوت وهو من الصلحاء عندما ذهبوا إلى الحج من طريق مصر، ذهبوا لزيارة أحد الأولياء فى مصر، فرأوا شخصًا داخل الضريح الشريف من أهل البدو، وكان لباسه البياض، وكان مستغرقًا فى التأمل فى علم اللاهوت،ولما دخلنا من باب الضريح رفع رأسه وصاح أيوجد بينكم من طالع الجمال المبارك لذلك السلطان (الشيخ شعبان)؟ فقال على خليفة قد رأيته فى شبابى, ووصف له علاماته وصفاته, فقبَّله البدوى من بين عينيه وأمر بإكرامنا غاية الإكرام.

 

3- يروى أحمد المعروف بـــ(ساعتجى) أفندى من خلفاء باقى أفندى قدس الله سره، فيقول: فيما كنت عالمًا قدمت من استانبول عزمت الذهاب أنا وعدد من رفاقى إلى حضرة الشيخ شعبان أفندى فى قسطمونى، وقبلوا يديه، يقول: وعندما جلسنا قال: إن امتحان المشايخ دون السؤال عن خاطرهم أمر ليس جيدًا, لأن الذين يستمدون العون من أهل الله ويريدون أن يبلغوا أربهم فى كل أمر، من المحتمل أن يحرموا من هذا الأدب، وينبغي الخوف والحذر من ذلك كالخوف والحذر من الكفر، ولما قال الشيخ شعبان من كلامه غرقنا خجلاً حتى أذابنا فى بحر من العرق, التمسنا العذر منه، وعندما قبلنا يديه المباركة، سألنا عن حالنا بأقصى درجات اللطف ظهر أثر دعائه وتيسر لنا تكميل الطريقة والحال.

 

=== له من الكتب كتاب يسمى (معيار العلوم) واشتهرت الطريقة من بعده بالشعبانية, ولها ثلاث شعب هى:

            الشعبانية: شعبان ولى ومنها:

حسن سرائى- المناوية- الفترة باشبه

                              إسماعيل الجورمى

                              عمر الفؤادى

                              محيى الدين القطسمونى

                              شعبان القسطمونى

 

خلفاء سيدى الشيخ شعبان رضى الله عنه:

كثيرون كما ذكرنا (360) خليفة لا استطيع ذكرهم بل نذكر أربعة هم:

1- الشيخ محى الدين الطويل القسطمونى، وهو فرع مشايخنا رضوان الله عليهم.

2-      الشيخ الواعظ محرّم القسطمونى.

3-    الشيخ عثمان القسطمونى.

4-    الشيخ عبد الباقى الاسكليبى وغيرهم.

رضوان الله تعالى عليهم أجمعين